Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq
الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
शैलियों
معنى صفة إنكار الذات
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم فقهنا في الدين، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علمًا، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم أما بعد: إخواني وأخواتي في الله! أهلًا ومرحبًا بكم في هذا اللقاء المبارك إن شاء الله، وأسأل الله ﷿ أن يغشانا برحمته، وأن ينزل علينا سكينته، وأن يحفنا بملائكته، وأن يذكرنا في ملأ عنده خير من هذا الملأ؛ إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.
هذا هو الدرس الرابع من دروس الصديق ﵁ وأرضاه، ودروس الصديق لا تنتهي؛ فإن الرجل كان أمة فعلًا، جمع صفات الأمة الإسلامية بكاملها، إن أردت أن تتحدث عن أبي بكر تحدثت عن الإسلام، وإن أردت أن تتحدث عن الإسلام تحدثت عن أبي بكر الصديق، رجل في أمة، وأمة في رجل، الصديق رجل في أمة إذا ألم بالأمة خطب كان الصديق هو الرجل، والصديق أمة في رجل إذا جمعت خير الأمة وجدته ملخصًا ومركزًا في الصديق ﵁، ولا عجب في ذلك، فقد شبهه رسول الله ﷺ بإبراهيم ﵊، وإبراهيم ﵊ كان أمة، يقول الله ﷿: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل:١٢٠]، ما زلنا نقلب بعض الصفحات المجيدة في تاريخ المسلمين، ما زلنا نقلب صفحات قلائل في مجلد الصديق الضخم الهائل، ما زلنا نتدبر ونتعلم ونعتبر ونستمتع بحياة الصديق ﵁، نحن تكلمنا في الدروس الثلاثة التي مرت عن ثلاث صفات رئيسية من صفات الصديق ﵁.
وليس معنى أننا نذكر صفات معينة للصديق أن هذه هي كل صفات الصديق، بل نحن نذكر صفات تميز بها بوضوح عن غيره، وإن كان لا يمنع هذا أنه يتمتع بكل صفات الخير التي وجدت في رجال الإسلام، كما لا يمنع هذا أيضًا أن غيره من الصحابة الكرام يتمتعون أيضًا بنفس الصفات ولكن فاقهم فيها الصديق ﵁ وأرضاه.
والصفات التي ذكرناها في الدروس السابقة هي: حب الرسول ﷺ، ورقة القلب، والسبق.
هذه صفات رئيسية غلبت على حياة الصديق ومنها خرجت كل الصفات الحميدة الأخرى التي تمتع بها ﵁ من صدق ورحمة وعدل وأدب في الحديث، وأمانة في المعاملة، وشجاعة في القتال إلى غيرها من الصفات.
والصحابة جميعًا تمتعوا بهذه الصفات، فالصحابة جميعًا أحبوا رسول الله ﷺ، ولكن ليس كحب الصديق، والصحابة جميعًا تمتعوا بالقلوب الرقيقة والطبع الرحيم، كل الصحابة كانوا كذلك حتى الذين يعتقد الناس في شدتهم وبأسهم أمثال: عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وعلي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب ﵃، كل هؤلاء كانت لهم عاطفة جياشة وقلوب رحيمة لكن ليس كـ الصديق.
وكل الصحابة كانوا سباقين إلى الخير، لكن ما سبقوا الصديق ﵁ وهكذا فإن الله ﷿ جعل من الصديق ﵁ نموذجًا رائعًا لأتباع الرسل، استوعب رسالة الإسلام بكاملها، وحملها نقية خالصة لمن بعده، فرضي الله عن الصديق ورضي الله عن صحابة رسول الله ﷺ أجمعين.
واليوم نتحدث عن صفة رابعة أصيلة في حياة الصديق ﵁، وهي صفة صعبة في تطبيقها وتنفيذها تحتاج إلى إيمان عظيم، وإلى همة عالية، وإلى فهم دقيق عميق.
تلك الصفة هي: إنكار الذات.
فماذا يعني إنكار الذات؟ إنكار الذات معناه: أن الإنسان لا يرى لنفسه حظًا في حياته مطلقًا، وإن كان حلالًا وإن كان مباحًا وإن كان مقبولًا في عرف الناس وفي الشرع، لكنه دائمًا يؤخر نفسه ويقدم غيره.
إنكار الذات معناه: أن تخلص النفس من حظ النفس فلا تهتم بثناء ولا مدح، ولا تنتظر أن يشار إليها في فعل أو قول.
إنكار الذات معناه: أن تؤخر حاجاتك الضرورية وتقدم حاجات الآخرين، وإن لم ترتبط معهم بعلاقة رحم أو مال أو مصلحة.
إنكار الذات هو أعلى درجات السمو في النفس البشرية، تقترب فيه النفس من أفعال الملائكة، بل لعلها تفوق الملائكة؛ فإن الملائكة جبلت على الطاعة، والإنسان مخير بين خير وشر.
إنكار الذات ليس معناه أبدًا: أن الإنسان ليس له قيمة، بل بالعكس المنكرون لذواتهم هم أعلى الناس قيمة، وهم أكثر ال
4 / 2