Al-Majmu' Sharh al-Muhadhdhab - Takmilat al-Muti'i al-Ula
المجموع شرح المهذب - تكملة المطيعي الأولى
प्रकाशक
المكتبة السلفية
प्रकाशक स्थान
المدينة المنورة (وهو إعادة صف للتكملة الأولى للمطيعي)
शैलियों
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَالَ الْمُصَنِّفُ ﵀:
باب بيع المرابحة
(من اشترى سلعة جاز له بيعها برأس المال وبأقل منه وبأكثر منه، لقوله ﷺ " إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم " ويجوز أن يبيعها مرابحة، وهو أن يبين رأس المال وقدر الربح بأن يقول: ثمنها مائة، وقد بعتكها برأس مالها وربح درهم في كل عشرة، لما روى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ أَنَّهُ كان لا يرى بأسا بده يازده وده دوازده (١) ولانه ثمن معلوم فجاز البيع به، كما لو قال: بعتك بمائة وعشرة ويجوز أن يبيعها مواضعة بأن يقول: رأس مالها مائة، وقد بعتك برأس ماله ووضع درهم (٢) من كل عشرة لانه ثمن معلوم فجاز البيع به، كما لو قال: بعتك بمائة إلا عشره، ويجوز أن يبيع بعضه مرابحة، فان كان مما لا تختلف أجزاؤه كالطعام والعبد الواحد قسم الثمن على أجزائه وباع ما يريد بيعه منه بحصته، وإن كان مما يختلف كالثوبين والعبدين قومهما وقسم الثمن عليهما على قدر قيمتهما ثم باع ما شاء منهما بحصته من الثمن، لان الثمن ينقسم على المبيعين على قدر قيمتهما، ولهذا لو اشترى سيفا وشقصا بألف قسم الثمن عليهما على قدر قيمتهما، ثم أخذ الشفيع الشقص بما يخصه من الثمن على قدر قيمته.
_________
(١) قوله " لا يرى بأسا بده يازده وده دوازده " ده عشرة بالفارسية، ويازده أحد عشر ودوازده اثنا عشر، أي لا يرى بأسا أن يبيع ما اشتراه بعشرة بأحد عشر أو بإثنى عشر (٢) قوله " ووضع درهم " أي حط درهم.
يقال وضع له في البيع من الثمن أي حط عنه
13 / 3
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد
فيقول محمد نجيب المطيعى عفا الله عنه بهذا القيل:
(الشرح) الحديث أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه من حديث عبادة ابن الصامت بلفظ " الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سواء بسواء يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إذَا كَانَ يَدًا بيد " ورواه أبو داود بنحوه وفى آخره " وَأُمِرْنَا أَنْ نَبِيعَ الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ يدا بيد كيف شئنا " وحديث عبد الله بن مسعود سبق تخريجه، وابن مسعود هو سادس من أسلم روى لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ٨٤ حديثا اتفق الشيخان على ٦٤ منها وانفرد البخاري ب ٢٠ ومسلم ب ٣٥ وكان يشبه النبي ﷺ في سمته وهديه، ولى القضاء بالكوفة وبيت مالها في خلافة عمر وصدرا من خلافة عثمان أما أحكام الفصل فإن المرابحة بصورتها المعروفة جائزة بالاتفاق، ولكن كره ذلك ابن عباس وابن عمر، ولم يجوزها اسحاق بن راهويه، واتفقوا على أنه إذا اشترى بثمن مؤجل لم يجز بمطلق بل يجب البيان.
وقال الاوزاعي: يلزم العقد
إذا أطلق ويثبت الثمن في ذمته مؤجلا، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد يثبت للمشترى الخيار إذا لم يعلم بالتأجيل، ووجه هذه المسائل بواعث مختلفة بينهم بين مشدد ومخفف على البائع أو على المشترى بحسب مداركهم فالشافعى يجيز بيع السلعة برأس مالها أو أقل منه أو أكثر من البائع وغيره قبل نقد الثمن وبعده.
وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد لا يجوز بيعها من بائعها بأقل من الثمن الذى ابتاعها به قبل نقد الثمن في المبيع الاول، ويجوز أن يبيع ما اشتراه مرابحة بالاتفاق، وهو أن يبين رأس المال وقدر الربح قال في مجمع الابحر " المرابحة بيع ما شراه بما شراه به وزيادة، والتولية بيعه بلا زيادة ولا نقص، والوضيعة بيعه بأنقص منه " قلت ويجوز أن يضيف إلى الثمن الاول نفقات الصناعة والطراز والنقل مع بيانها وإيضاحها لمن يبتاعها
13 / 4
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
ولا يخبر إلا بالثمن الذى لزم به البيع، فإن اشترى بثمن ثم حط البائع عنه بعضه، أو ألحق به زيادة، نظرت فإن كان بعد لزوم العقد لم يلحق ذلك بالعقد، ولم يحط في بيع المرابحة ما حط عنه، ولا يخبر بالزيادة فيما زاد، لان البيع استقر بالثمن الاول، فالحط والزيادة تبرع لا يقابله عوض فلم يتغير به الثمن، وإن كان ذلك في مدة الخيار لحق بالعقد وجعل الثمن ما تقرر بعد الحط والزيادة.
وقال أبو على الطبري: إن قلنا إن المبيع ينتقل بنفس العقد لم يلحق به لان المبيع قد ملكه بالثمن الاول فلم يتغير بما بعده، والمذهب الاول لانه وإن كان قد انتقل المبيع إلا أن البيع لم يستقر، فجاز أن يتغير الثمن بما يلحق به.
وإن اشترى ثوبا بعشرة وقصره بدرهم ورفاه بدرهم وطرزه بدرهم، قال هو على
بثلاثة عشر، أو قام على بثلاثة عشرة وما أشبه ذلك، ولا يقول اشتريت بثلاثة عشر، ولا يقول ثمنه ثلاثة عشر، لان ذلك كذب وإن قال رأس مالى ثلاثة عشر ففيه وجهان " أحدهما " لا يجوز أن يقول لان رأس المال هو الثمن، والثمن عشرة " والثانى " يجوز لان رأس المال ما وزن فيه، وقد وزن فيه ثلاثة عشر، وإن عمل فيه ذلك بيده قال: اشتريته بعشرة، وعملت فيه ما يساوى ثلاثة.
ولا يقول هو على بثلاثة عشر، لان عمله لنفسه لا أجرة له.
ولا يتقوم عليه وإن اشترى عينا بمائة ووجد بها عيبا وحدث عنده عيب آخر فرجع بالارش وهو عشرة دراهم.
قال هي على بتسعين أو تقوم على بتسعين، ولا يجوز أن يقول الثمن مائة، لان الرجوع بالارش استرجاع جزء من الثمن، فخرج عن أن يكون الثمن مائة، ولا يقول اشتريتها بتسعين، لانه كذب، وإن كان المبيع عبدا فجنى ففداه بأرش الجناية لم يضف ما فداه به إلى الثمن، لان الفداء جعل لاستبقاء الملك فلم يضف إلى الثمن كعلف البهيمة، وإن جنى عليه فأخذ الارش ففيه وجهان:
(أحدهما)
انه لا يحط من الثمن قدر الارش، لانه كما لا يضيف ما فدى به
13 / 5
الجناية إلى الثمن لا يحط ما أخذ عن أرش الجناية عن الثمن
(والثانى)
أنه يحط لانه عوض عن جزء تناوله البيع فحط من الثمن كأرش العيب وإن حدثت من العين فوائد في ملكه كالولد واللبن والثمرة لم يحط ذلك من الثمن لان العقد لم يتناوله، وان أخذ ثمرة كانت موجودة عند العقد أو لبنا كان موجودا حال العقد حط من الثمن، لان العقد تناوله وقابله يقسط من الثمن، فأسقط ما قابله، وان أخذ ولدا كان موجودا حال العقد، فإن قلنا ان الحمل له
حكم فهو كاللبن والثمرة، وان قلنا لا حكم له لم يحط من الثمن شيئا، وان ابتاع بثمن مؤجل لم يخبر بثمن مطلق، لان الاجل يأخذ جزءا من الثمن، فإن باعه مرابحة ولم يخبره بالاجل ثم علم المشترى بذلك ثبت له الخيار لانه دلس عليه بما يأخذ جزءا من الثمن.
فثبت له الخيار، كما لو باعه شيئا وبه عيب ولم يعلمه بعيبه.
وإن اشترى شيئا بعشرة وباعه بخمسة، ثم اشتراه بعشرة أخبر بعشرة ولا يضم ما خسر فيه إلى الثمن، فإن اشترى عشرة وباع بخمسة عشر، ثم اشتراه بعشرة أخبر بعشرة، ولا يحط ما ربح من الثمن، لان الثمن ما ابتاع به في العقد الذى هو مالك به، وذلك عشرة، وإن اشترى بعشرة ثم واطأ غلامه فباع منه ثم اشتراه منه بعشرين ليخبر بما اشتراه من الغلام كره ما فعله، لانه لو صرح بذلك في العقد فسد العقد، فإذا قصده كره، فان أخبر بالعشرين في بيع المرابحة جاز لان بيعه من الغلام كبيعه من الأجنبي في الصحة فجاز أن يخبر بما اشترى به منه، فان علم بذلك المشترى لم يثبت له الخيار، لان شراءه بعشرين صحيح (الشرح) قوله " لان ذلك كذب " هذا جريا على قاعدة " تبايعا وقولوا لا خلابة " وحديث ابن مسعود " لا تحل الخلابة لمسلم " وعلى هذا يقول أبو حنيفة: لا يقول شريته بكذا، وانما يقول قام على بكذا.
وقال في مجمع الابحر " ولا يضم نفقته ولا أجر الراعى أو الحارس أو بيت الحفظ فان ظهر للمشترى خيانة في المرابحة خير في أخذه بكل ثمنه، وعند أبى يوسف يحط من الثمن قدر الخيانة مع حصتها من الربح وعند محمد يخير.
اه
13 / 6
وقد عنى شيخ الاسلام ابن تيمية في فتاواه الكبرى بهذا النوع من الخديعة فأبطل العقد وحمل على مجيزيه بالرأى والقياس
وفى الترغيب في الصدق عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ " التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ " رواه الدارمي وقال: لا علم لى به أن الحسن سمع من أبى سعيد.
وقال أبو حمزة: هذا هو صاحب ابراهيم بن ميمون الاعور.
ورواه الحاكم والترمذي وحسنه.
وفى هذا الحديث بحث طويل سنعرض له في كنز العمال إن شاء الله تعالى قوله " ولا يضم ما خسر فيه إلى الثمن " كذا هو مقرر في المذهب أنه لا يرابح إلا على الثمن الاخير، وعند أبى حنيفة تمتنع المرابحة إذا شراه ثانية بأقل مما باعه أولا، وعند الصاحبين محمد وأبى يوسف موافقة المصنف من جواز المرابحة على الثمن الاخير.
(فائدة) إذا اشترى مديون مأذون بعشرة وباعه من سيده بخمسة عشر أو بالعكس، فإنه يرابح على عشرة، لان العقد بينهما وإن كان صحيحا ولكن له شبهة العدم، لان العبد ملكه، وما في يده لا يخلو عن حقه، فصار كأنه اشتراه للمولى بعشرة فيعتبر هذا لا غير.
وقولنا " مديون " فمن باب أولى أن يرابحه مع عدم الدين لوجود ملك المولى فيه بالاجماع، والمكاتب كالعبد المأذون له.
أما المضارب بالنصف لو شرى بعشرة وباع من رب المال بخمسة عشر يرابح رب المال اثنى عشر ونصف، ويرابح بلا بيان لو اعورت المبيعة أو وطئت وهى ثيب، أو أصاب الثوب قرض فأرة أو حرق نار، فلا يجب عليه البيان عند أبى حنيفة.
أي لا يجب أن يقول إنى شريتها سليمة بكذا فأعورت في يدى، أو أصاب الثوب قرض فأرة مثلا، لان جميع ما يقابله الثمن قائم، لان الفائت وصف فلا يقابله شئ من الثمن إذا فات بلا صنع أحد.
هذا فيما يتعلق ببيان الثمن قبل العيب.
أما العيب نفسه فيجب بيانه بالكتاب والسنة والاجماع لحديث
العداء بن خالد الذى رواه الجماعة، كتب لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
13 / 7
" هذا ما باع مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ لَا داء ولا خبثة ولا غائلة " فيجب بيان العيب بغير أن يبين أنه اشتراه سليما بكذا من الثمن ثم أصابه العيب، وهذا كله فيما إذا كان العيب يسيرا.
أما إذا كان العيب كبيرا كبرا يتغابن الناس فيه فإنه لا يجوز بيعه مرابحة.
أما إذا وطئت وهى بكر أو تكسر الثوب من طيه ونشره لزم البيان، وإن اشترى بنسيئة ورابح بلا بيان خير المشترى، فان أتلفه ثم علمه لزم كل ثمنه، وكذا التولية.
وهو أن يقول: ولنى ما اشتريته بالثمن، فقال وليتك، صح إذا كان الثمن معلوما لهما فإن جهله أحدهما لم يصح (فائدة) لو اشترى ثوبين صفقة كلا بخمسة لا يجوز بيع أحدهما مرابحة بخمسة بلا بيان، لانه لو كان واحدا جاز بيع نصفه مرابحة اتفاقا، ولو باع بالزائد على الخمسة لا يجوز.
ولا يصح بيع المقول قبل قبضه، ويصح في العقار، خلافا لمحمد بن الحسن من أصحاب ابى حنيفة.
ومن اشترى كيليا لا يجوز له بيعه ولا أكله حتى يكيله، ويكفى كيل البائع بعد العقد بحضرة المشترى لا في غيبته، ومثل ذلك الوزنى والعددي لا المذروع ولا المقيس بالامتار أو الياردة، فقد مر في كلام السبكى ﵀ في عدم وجوب ذلك في الاثواب المنضدة المختومة لما يترتب على قياسها من تكسير وإتلاف ويتعلق الاستحقاق بكل ذلك فيرابح ويولى على كل ذلك إن زيد، وعلى ما بقى إن حط، قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
إذا قال رأس المال مائة وقد بعتكه برأس المال وربح درهم في كل عشرة أو بربح ده يازده، فالثمن مائة وعشرة، وان قال بعتك برأس المال ووضع ده يازده، فالثمن أحد وتسعون درهما إلا جزءا من أحد عشر جزءا من درهم لان معناه بعتك بمائة على أن أضع درهما من كل أحد عشر درهما، فسقط من تسعة وتسعين درهما تسعة دراهم، لانها تسع مرات أحد عشر ويبقى من رأس
13 / 8
المال درهم فيسقط منه جزء من أحد عشر جزءا، فيكون الباقي أحدا وتسعين درهما إلا جزءا من أحد عشر جزءا من درهم.
وإن قال بعتك على وضع درهم من كل عشرة ففى الثمن وجهان " أحدهما " أن الثمن أحد وتسعون درهما إلا جزءا من أحد عشر جزءا من درهم، وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفراينى ﵀ " والثانى " أن الثمن تسعون درهما، وهو قول شيخنا القاضى أبى الطيب الطبري، وهو الصحيح، لان المائة عشر مرات عشرة، فإذا وضع من كل عشرة درهما بقى تسعون (الشرح) هذه الصور التى عرض لها المصنف تناولنا حكمها في الفائدة السابق ذكرها.
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
إذا أخبر أن رأس المال مائة وباع على ربح درهم في كل عشرة ثم قال: أخطأت أو قامت البينة أن الثمن كان تسعين فالبيع صحيح.
وحكى القاضى أبو حامد وجها آخر أن البيع باطل، لانه بان أن الثمن كان تسعين وأن ربحها تسعة، وهذا كان مجهولا حال العقد، فكان العقد باطلا، والمذهب الاول، لان البيع عقد على ثمن معلوم، وانما سقط بعضه بالتدليس، وسقوط بعض الثمن لا يفسد البيع كسقوط بعض الثمن بالرجوع بأرش العيب.
وأما الثمن
الذى يأخذه به ففيه قولان:
(أحدهما)
أنه مائة وعشرة، لان المسمى في العقد مائة وعشرة، فإذا بان تدليس من جهة البائع لم يسقط من الثمن شئ، كما لو باعه شيئا بثمن فوجد به عيبا.
(والثانى)
أن الثمن تسعة وتسعون، وهو الصحيح، لانه نقل ملك يعتبر فيه الثمن الاول، فإذا أخبر بزيادة وجب حط الزيادة كالشفعة والتولية، ويخالف العيب، فإن هناك الثمن هو المسمى في العقد، وههنا الثمن هو رأس المال وقدر الربح، وقد بان أن رأس المال تسعون والربح تسعة
13 / 9
فإن قلنا ان الثمن مائة وعشرة فهو بالخيار بين أن يمسك المبيع بالثمن وبين أن يفسخ، لانه دخل على أن يأخذ المبيع برأس المال.
وهذا أكثر من رأس فثبت له الخيار.
وان قلنا ان الثمن تسعة وتسعون فهل يثبت له الخيار؟ اختلف أصحابنا فيه فمنهم من قال فيه قولان
(أحدهما)
أن له الخيار، لانه ان كان قد أخطأ في الخبر الاول لم يأمن أن يكون قد أخطأ في الثاني، وأن الثمن غيره، وان كان قد خان في الاول فلا يأمن أن يكون قد خان في الثاني، فثبت له الخيار (والقول الثاني) وهو الصحيح أنه لا خيار له، لان الخيار انما يثبت لنقص وضرر، وهذا زيادة ونفع، لانه دخل على أن الثمن مائه وعشرة وقد رجع إلى تسعة وتسعين، فلا وجه للخيار.
ومنهم من قال: ان ثبتت الخيانة بإقرار البائع لزم المشترى تسعة وتسعون ولا خيار له، وان ثبتت بالبينة فهل له الخيار أم لا؟ فيه قولان، لانه إذا ثبتت بالاقرار دل على أمانته، فلم يتهم في خيانة أخرى.
وإذا ثبتت بالبينة كان متهما
في خيانة أخرى فثبت له الخيار.
قال أصحابنا: القولان إذا كانت العين باقية، فأما إذا تلفت العين فانه يلزم البيع بتسعة وتسعين قولا واحدا، لانا لو جوزنا له فسخ البيع مع تلف العين رفعنا الضرر عنه وألحقناه بالبائع، والضرر لا يزول بالضرر، ولهذا لو هلك المبيع عنده ثم علم به عيبا لم يملك الفسخ، فإن قلنا لا خيار له، أو قلنا له الخيار فاختار البيع فهل يثبت للبائع الخيار؟ فيه وجهان
(أحدهما)
يثبت له الخيار، لانه لم يرض الا الثمن المسمى وهو مائة وعشرة، ولم يسلم ذلك
(والثانى)
لا خيار له لانه رضى برأس المال وربحه وقد حصل له ذلك (الشرح) قوله " فالبيع صحيح " هذا قول عند الاصحاب أو وجه، وعند الحنابلة كراهة بعض ما مر جوازه عند الشافعية وأصحاب أبى حنيفة.
قال ابن قدامة في المغنى: وان قال بعتك برأس مالى فيه، وهو مائة، وأربح في كل عشرة درهما.
أو قال: ده يازده أو ده داوزده فقد كرهه أحمد، وقد رويت كراهته
13 / 10
عن ابن عمر وابن عباس ومسروق والحسن وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء بن يسار.
وقال إسحاق: لا يجوز لان الثمن مجهول حال العقد فلم يجز، كما لو باعه بما يخرج به في الحساب.
قال ورخص فيه سعيد بن المسيب وابن سيرين وشريح والنخعي والثوري والشافعي وأصحاب الرأى وابن المنذر، ولان رأس المال معلوم فأشبه ما لو قال وربح عشرة دراهم.
ووجه الكراهة أن ابن عمر وابن عباس كرهاه ولم نعلم لهما في الصحابة مخالفا، ولان فيه نوعا من الجهالة، والتحرز عنها أولى.
وهذه كراهة تنزيه والعقد صحيح، والجهالة يمكن إزالتها بالحساب: كما لو باعه صبرة كل قفيز بدرهم.
وأما ما يخرج به في الحساب فمجهول في الجملة والتفصيل إذا ثبت هذا فنقول: متى باع شيئا برأس ماله وربح عشرة ثم علم بتنبيه أو
إقرار أن رأس ماله تسعون فالبيع صحيح، لانه زيادة في الثمن، فلم يمنع صحه العقد كالعيب وللمشترى الرجوع على البائع بما زاد في رأس المال وهو عشرة وحطها من الربح وهو درهم فيبقى على المشترى بتسعة وتسعين درهما، وبهذا قال الشافعي في الجديد، وبه قال الثوري وابن أبى ليلى وقال أبو حنيفة: هو مخير بين الاخذ بكل الثمن أو يترك قياسا على المعيب وحكى الشافعي في أحد قوليه أنه إذا باعه برأس ماله وما قدره من الربح، فإذا بان رأس ماله قدرا كان مبيعا به، وبالزيادة التى اتفقا عليها، والمعيب كذلك عند الحنابلة فإن له أخذ الارش، ثم المعيب لم يرض به إلا بالثمن المذكور، وههنا رضى فيه برأس المال والربح المقرر.
وهل للمشترى خيار؟ فعند الشافعي في أحد قوليه نعم لان المشترى لا يأمن الخيانة في هذا الثمن أيضا، ولانه ربما كان له غرض في الشراء بذلك الثمن بعينه لكونه حالفا أو وكيلا أو غير ذلك.
والمنصوص عن أحمد أن المشترى مخير بين أخذ المبيع برأس ماله وحصته من الربح، وبين تركه قولا واحدا.
نقله حنبل قال في المغنى: وظاهر كلام الخرقى أنه لا خيار له (قلت) وهو مخالف للامام كما قاله حنبل والقول الآخر عند الشافعية لا، لانه رضيه بمائة وعشرة فإذا حصل له بتسعة
13 / 11
وتسعين فقد زاده خيرا، فلم يكن له خيار، كما لو اشتراه على أنه معيب فبان صحيحا، أو أمي فبان صانعا، أو كاتبا، أو وكل في شراء معين بمائة فاشتراه بتسعين.
وأما البائع فلا خيار له، لانه باعه برأس ماله وحصته من الربح وقد حصل له ذلك.
وإذا اشترى سلعة وأراد بيعها فحط له بائعها من ثمنها بعد لزوم العقد أخبر
بثمنها قبل أن يحط البائع منها.
قال الشافعية وأصحاب أحمد وأبى حنيفة: له أن يخبر بالثمن الاول لا غير، ولان ذلك هبة من أحدهما للآخر لا يكون عوضا وقال أبو حنيفة: يلحق بالعقد ويخبر به في المرابحة أما إذا كان هذا الحط في مدة الخيار وقبل لزوم العقد وجب الاخبار به في المرابحة باتفاق.
وفى تغيير السلعة بنقص، كأن تتغير بتلف بعضها أو بولادة أو عيب أو أخذ البائع بعضها كالصوف واللبن الموجود ونحو ذلك فإنه يخبر بالحال على وجهه، وإن أخذ أرش العيب أو الجناية أخبر بذلك على وجهه.
وقال أبو الخطاب من الحنابلة يحط أرش العيب من الثمن ويخبر بالباقي، لان أرش العيب عوض ما فات به، فكان ثمن الموجود هو ما بقى، وفى أرش الجناية وأرش العيب، قال الشافعي يحطهما من الثمن ويقول تقوم على بكذا، لانه صادق فيما أخبر به، فأشبه ما لو أخبر بالحال على وجهه فأما ان جنى المبيع ففداه المشترى لم يلحق ذلك بالثمن ولم يخبر به في المرابحة لان هذا الارش لم يزد به المبيع قيمة، فأشبه الدواء المزيل لمرضه الحادث عند المشترى، وانما هو مزيل لنقصه بالجناية، والعيب الحاصل بتعلقها برقبته فأشبه الدواء كما قلنا.
وأما ال؟؟ ير بالزيادة فكالزيادة في نمائها وسمنها أو تعلم صنعة أو ولادة أو ثمرة مجتناة، أو كسب عمل يدوى، فهذا إن أراد أن يبيعها مرابحة أخبر بالثمن من غير زيادة لانه القدر الذى اشتراها به.
وان أخذ النماء المنفصل كالولد أو الثمرة المجتناة أو استخدم الامة أو وطئ الثيب أخبر برأس المال ولم يلزمه تبيين الحال لان ذلك بمثابة الخدمة.
وروى
13 / 12
ابن المنذر عن احمد أنه يلزمه تبيين ذلك كله.
وهو قول اسحاق.
وقال أصحاب
الرأى في الغلة يأخذها: لا بأس أن يبيع مرابحة، وفى الولد والثمرة لا يبيع مرابحة حتى يبين ولانه موجب العقد.
وعند ابن قدامة من الحنابلة أنه إن كان صادقا من غير تغرير جاز، كما لو لم يزد، ولان الولد والثمرة نماء منفصل فلم يمنع من بيع المرابحة بدون ذكره كالغلة.
قال المصنف ﵀:
(فصل)
وإن أخبر أن الثمن مائة وربحه عشرة، ثم قال أخطأت والثمن مائة وعشرة لم يقبل قوله، لانه رجوع عن إقرار متعلق به حق آدمى فلم يقبل، كما لو أقر له بدين.
وإن قال: لى بينة على ذلك لم تسمع، لانه كذب بالاقرار السابق بينته فلم تقبل.
فإن قال أحلفوا لى المشترى أنه لا يعلم أن الثمن مائة وعشرة، ففيه طريقان
(أحدهما)
أنه إن قال ابتعته بنفسى لم يحلف المشترى لان إقراره يكذبه، وإن قال ابتاعه وكيل لى فظننت أنه ابتاع بمائة وقد بان لى أنه ابتاع بمائة وعشرة حلف لانه الآن لا يكذبه إقراره.
(والثانى)
أنه يبنى على القولين في يمين المدعى مع نكول المدعى عليه، فإن قلنا إنه كالبينة لم يعرض اليمين، لانه إذا نكل حصلنا على بينه، والبينة لا تسمع.
وإن قلنا: انه كالاقرار عرضنا اليمين، لانه إذا نكل حصلنا على الاقرار، وإقراره مقبول (الشرح) ثم انتقل المصنف ﵀ إلى التغير بالزيادة: ومن التغير بالزيادة أن يعمل فيها عملا، كأن يقصرها تجميلا لها أو يرفوها أو يحيكها، فهذه متى أراد أن يبيعها مرابحة أخبر بالحال على وجهه.
وإن اشترى شيئين صفقة واحدة ثم أراد بيع أحدهما مرابحة، أو اشترى
اثنان شيئا فتقاسماه وأراد أحدهما بيع نصيبه مرابحة بالثمن الذى أداه فيه،
13 / 13
فذلك قسمان
(أحدهما)
أن يكون المبيع من المتقومات التى لا ينقسم الثمن عليها بالاجزاء، كالثياب والحيوان والشجرة المثمرة وأشباه هذا، فهذا لا يجوز بيع بعضه مرابحة حتى يخبر بالحال على وجهه.
هكذا نص عليه أحمد فقال: كل بيع اشتراه جماعة ثم اقتسموه، لا يبيع احدهم مرابحة إلا أن يقول: اشتريناه جماعة ثم اقتسمناه.
وهذا مذهب الثوري وإسحاق وأصحاب الرأى قال الشافعي: يجوز بيعه بحصته من الثمن، لان الثمن ينقسم على المبيع على قدر قيمته، بدليل ما لو كان المبيع شقصا وسيفا أخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن.
ولو اشترى شيئين فوجد أحدهما معيبا رده بحصته من الثمن.
وذكر ابن أبى موسى فيما اشتراه اثنان فتقاسماه رواية أخرى عن أحمد أنه يجوز بيعه مرابحة بما اشتراه لان ذلك ثمنه فهو صادق فيما أخبر به قال ابن قدامة: ولنا أن قسمة الثمن على المبيع طريقه الظن والتخمين، وأحتمال الخطأ فيه كثير وبيع المرابحة أمانة فلم يجز هذا فيه، فصار هذا كالخرص الحاصل بالظن لا يجوز أن يباع به ما يجب التماثل فيه، وانما أخذ الشفيع بالقيمة للحاجة الداعية إليه.
وكونه لا طريق له سوى التقويم، ولانه لو لم يأخذ بالشفعة لاتخذه الناس طريقا لاسقاطها فيؤدى إلى تفويتها بالكلية، وههنا له طريق وهو الاخبار بالحال على وجهه أو بيعه مساومة.
هكذا ملخصا من السبكى وابن الرفعة وشارح المنهاج من الشافعية وابن قدامة وابن عساكر والخرقى من الحنابلة ومجمع الابحر ومراقي الفلاح من الحنفية، والبغية والكفاية والشرحين الكبير والصغير من المالكية، ونيل الاوطار وفتح الباري وشرح القسطلانى على البخاري والفتاوى الكبرى
لابن تيمية والمحلى لابن حزم من كتب المحدثين
قال المصنف ﵀:
(باب النجش والبيع على بيع أخيه، وبيع الحاضر للبادى، وتلقى الركبان والتسعير، والاحتكار)
ويحرم النجش، وهو أن يزيد في الثمن ليغر غيره، والدليل عليه ما روى
13 / 14
ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نهى عن النجش، ولانه خديعة ومكر، فإن اغتر الرجل بمن ينجش فابتاع فالبيع صحيح، لان النهى لا يعود إلى البيع فلم يمنع صحته، كالبيع في حال النداء، فإن علم المبتاع بذلك نظرت فإن لم يكن للبائع فيه صنع لم يكن للمبتاع الخيار لانه ليس من جهة البائع تدليس.
وإن كان النجش بمواطأة من البائع ففيه قولان.
(أحدهما)
أن له الخيار بين الامساك والرد، لانه دلس عليه فثبت له الرد، كما لو دلس عليه بعيب
(والثانى)
لا خيار له، لان المشترى فرط في ترك التأمل وترك التفويض إلى من يعرف ثمن المتاع الشرح: - هذا الباب يشتمل على الانواع الآتية: (النجش) وهو في اللغة بفتح النون وسكون الجيم بعدها شين معجمة، وهو تنفير الصيد واستثارته من مكانه ليصاد.
يقال: نجشت الصيد أنجشه - من باب نصر - وفى الشرع الزيادة في السلعة ويقع ذلك بمواطأة البائع فيشتركان في الاثم، ويقع ذلك بغير علم المشترى، فيستفيد الناجش، وقد يختص به البائع، كمن يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما
اشتراها به ليغر بذلك غيره.
قال الشافعي: النجش أن يحضر السلعة بتاع فيعطى بها الشئ وهو لا يريد شراءها ليقتدى به السوام، فيعطون بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يسمعوا سومه.
وقال ابن قتيبة " النجش الختل والخديعة " ومنه قيل للصائد ناجش، لانه يختل الصيد (١)
_________
(١) في حاشية الاصل " الناجش الذى يحوش الصيد.
والنجش أن تزيد في البيع ليقع غيرك وليس من حاجتك، وفى الحديث لا تناجشوا
13 / 15
قال ابن بطال: أجمع العلماء على أن الناجش عاص بفعله، واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك، ونقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع إذا وقع على ذلك، وهو قول أهل الظاهر، ورواية عن مالك وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان بمواطأة البائع أو صنعته، والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار وهو قول الحنفية، وقد اتفق أكثر العلماء على تفسير النجش في الشرع بما تقدم، وقد فسره ابن عبد البر وابن حزم وابن العربي بأن تكون الزيادة المذكورة فوق ثمن المثل ووافقهم على ذلك لبعض المتأخرين من الشافعية وهو تقييد للنص بغير مقتض للتقييد.
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
ويحرم أن يبيع على بيع أخيه، وهو أن يجئ إلى من اشترى شيئا في مدة الخيار فيقول: افسخ فإنى أبيعك أجود منه بهذا الثمن، أو أبيعك مثله بدون هذا الثمن، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ إنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولان في هذا إفسادا وإنجاشا فلم يحل، فإن قبل منه وفسخ البيع واشترى منه صح البيع، لما ذكرناه في النجش.
(الشرح) أما حديث ابن عمر فقد رواه البخاري ومسلم.
وأما حديث أبى هريرة فهو متفق عليه، وللنسائي: من طريق ابن عمر " لا يبع أحدكم على بيع أخيه حتى يبتاع أو يذر ".
وفى رواية أحمد عن ابن عمر " لا يبع أحدكم على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له " وقد تتابعت أحاديث النهى عن أبى هريرة عند الشيخين وعن عقبة بن عامر عند مسلم.
وقوله ﷺ: لا يبع، الاكثر بإثبات الياء على أن لا نافية، ويحتمل أن يكون استثناء من الحكمين، ويحتمل أن يختص بالاخير، والخلاف في ذلك وبيان الراجح مستوفى في الاصول.
ويدل على الثاني في خصوص هذا المقام رواية البخاري التى ذكرناها
13 / 16
(قوله) " لا يخطب الرجل إلخ " وسيأتى الكلام على الخطبة في المناكحات إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله تعالى:
(فصل)
ويحرم أن يدخل على سوم أخيه، وهو أن يجئ إلى رجل أنعم لغيره في بيع سلعة بثمن فيزيده ليبيع منه، أو يجئ إلى المشترى فيعرض عليه مثل السلعة بدون ثمنها أو أجود منها بذلك الثمن، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ إنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، ولا يسم على سوم أخيه، ولان في ذلك إفسادا أيضا وإنجاشا فلم يحل، فأما إذا جاء إليه فطلب منه متاعا فلم ينعم له، جاز لغيره أن يطلبه، لانه لم يدخل على سومه وإن طلبه منه فسكت ولم يظهر منه رد ولا إجابة ففيه قولان.
أحدهما: يحرم والثانى: لا يحرم، كالقولين في الخطبة على خطبة أخيه،
وأما إذا عرضت السلعة في النداء جاز لمن شاء أن يطلبها ويزيد في ثمنها، لما روى أنس رضى الله عنه عن رجل من الانصار أنه أصابه جهد شديد هو وأهل بيته، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَذَكَرَ دلك له فقال.
ما عندي شئ، اذهب فأتني بما كان عندك، فذهب فجاء بحلس وقدح، فقال يا رسول الله هذا الحلس والقدح، فقال من يشترى هذا الحلس والقدح، فقال رجل أنا آخذهما بدرهم، فقال من يزيد على درهم، فسكت القوم.
قال من يزيد على درهم، فقال رجل أنا آخذهما بدرهمين، قال: هما لك، ثم قال ان المسألة لا تحل إلا لثلاثة لذى دم موجع، أو فقر مدقع، أو غرم مفظع، ولان في النداء لا يقصد رجلا بعينه، فلا يؤدى إلى النجش والافساد.
(الشرح) قوله " ولا يسوم " صورته أن يأخذ شيئا ليشتريه فيقول المالك رده لابيعك خير منه بثمنه، أو يقول للمالك.
استرده لاشتريه منك بأكثر، وإنما يمنع من ذلك بعد استقرار الثمن، وركون أحدهما إلى الآخر.
فان كان ذلك
13 / 17
تصريحا فقد قال في فتح الباري: لا خلاف في التحريم، وان كان ظاهرا ففيه وجهان في المذهب.
وقال ابن حزم: إن لفظ الحديث لا يدل على اشتراط الركون، وتعقب بأنه لابد من أمر مبين لموضع التحريم في السوم لان السوم في السلعه التى تباع فيمن يزيد لا يحرم اتفاقا كما حكاه في الفتح عن ابن عبد البر فتعين أن السوم المحرم ما وقع فيه قدر زائد على ذلك، وأما صورة البيع على البيع، والشراء على الشراء فهو ان يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار: افسخ لابيعك بأنقص، أو يقول للبائع افسخ لاشتري منك بأزيد.
قال في فتح الباري: وهذا مجمع عليه.
وقد اشترط بعض الشافعية في التحريم أن لا يكون المشترى مغبونا غبنا
فاحشا وإلا جاز البيع على البيع، والسوم على السوم لحديث: الدين النصيحة.
وأجيب عن ذلك بأن النصيحة لا تنحصر في البيع على البيع والسوم على السوم لانه يمكن أن يعرفه ان قيمتها كذا فيجمع بذلك بين المصلحتين كذا في الفتح.
قال الشوكاني: وقد عرفت أن أحاديث النصيحة أعم مطلقا من الاحاديث القاضية بتحريم أنواع من البيع فيبنى العام على الخاص.
واخلفوا في صحة البيع المذكور فذهب الجمهور إلى صحته مع الاثم وذهبت الحنابلة والمالكية إلى فساده في إحدى الروايتين عنهم وبه جزم ابن حزم في المحلى وابن تيمية في فتاواه الكبرى.
والخلاف يرجع إلى ما تقرر في الاصول من أن النهى المقتضى للفساد هو النهى عن الشئ لذاته، ولو صف ملازم لا لخارج.
وأما حديث أنس فقد رواه احمد والترمذي وحسنه وقال لا نعرفه إلا من حديث الاخضر بن عجلان عن أبى بكر الحنفي عنه، وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي، وأعله ابن القطان بجهل حال أبى بكر الحنفي، ونقل عن البخاري أنه قال لم يصح حديثه، ولفظ الحديث عند أبى داود وأحمد " أن النبي ﷺ نادى على قدح وحلس لبعض أصحابه، فقال رجل هما على بدرهم، ثم قال آخرهما على بدرهمين " وفيه " إن المسأله لا تحل إلا لاحد ثلاثة ".
13 / 18
والحلس بكسر الحاء المهملة وسكون اللام كساء رقيق يكون تحت برذعة البعير قاله الجوهرى، والحلس البساط أيضا ومنه حديث كن حلس بيتك حتى يأتيك يد خاطئة أو ميتة قاضية " كذا في النهاية لابن الاثير قوله " فيمن يزيد " فيه دليل على جواز بيع المزايدة وهو البيع على الصفة التى فعلها النبي ﷺ.
وحكى البخاري عن عطاء أنه قال أدركت الناس لا يرون بأسا في بيع المغانم فيمن يزيد، ووصله ابن أبى شيبة عن عطاء ومجاهد وروى هو وسعيد بن منصور عن مجاهد قال لا بأس ببيع من يزيد، وكذلك كانت تباع الاخماس.
وقال الترمذي عقب حديث أنس المذكور: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ لم يروا بأسا ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث.
قال ابن العربي: لا معنى لاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث فإن الباب واحد والمعنى مشترك.
قال الامام الشوكاني: ولعلهم جعلوا تلك الزيادة التى زادها ابن خزيمة وابن الجارود والدارقطني قيدا لحديث أنس المذكور ولكن لم ينقل أن الرجل الذى باع عنه ﷺ القدح والحلس كانا معه من ميراث أو غنيمة فالظاهر الجواز مطلقا، إما لذلك، وإما لالحاق غيرهما بهما ويكون ذكرهما خارجا مخرج الغالب لانهما الغالب على ما كانوا يعتادون البيع فيه مزايدة، وممن قال باختصاص الجواز بهما الاوزاعي وإسحاق.
ثم قال الشوكاني رحمه الله تعالى: وروى عن النخعي أنه كره بيع المزايدة، واحتج بحديث جابر الثابت في الصحيح أَنَّهُ ﷺ قَالَ فِي مدبر " مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي، فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ الله بثمانمائة درهم " واعترضه الاسماعيلي فقال ليس في قصة المدبر بيع المزايدة، فإن بيع المزايدة أن يعطى به واحد ثمنا ثم يعطى به غيره زيادة عليه، نعم يمكن الاستدلال له بما أخرجه البزار من حديث سفيان بن وهب قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ ينهى عن بيع المزايدة لكن في اسناده ابن لهيعة وهو ضعيف.
13 / 19
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
ويحرم أن يبيع حاضر لباد، وهو أن يقدم رجل ومعه متاع يريد بيعه ويحتاج الناس إليه في البلد، فإذا باع اتسع، وإذا لم يبع ضاق، فيجئ إليه سمسار فيقول " لا تبع حتى أبيع لك قليلا قليلا، وأزيد في ثمنها " لما روى ابن طاوس عن أبيه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁ قَالَ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ " لَا يبع حاضر لباد " قلت ما لا يبع حاضر لباد؟ قال " لا يكون سمسارا " وروى جَابِرٍ ﵁ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ " لَا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض " فإن خالف وباع له صح البيع، لما ذكرناه في النحش، فإن كان البلد كبيرا لا يضيق على أهله بترك البيع ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يجوز للخبر
(والثانى)
يجوز لان المنع لخوف الاضرار بالناس، ولا ضرر ههنا.
(الشرح) حديث ابن طاوس عن أبيه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ الخ.
أخرجه الجماعة إلا الترمذي.
وقوله " حاضر لباد " الحاضر ساكن الحضر والبادى ساكن البادية.
قال في القاموس: الحاضر والحاضرة والحضارة وتفتح خلاف البادية، والحضارة الاقامة في الحضر، وتبدى أقام في البادية، والنسبة بداوى وبدوي، وبدا القوم خرجوا إلى البادية وأما حديث جابر فقد رواه الجماعة الا البخاري، وفى مسند أحمد من طريق عطاء بن السائب عن عكيم بالعين المهملة ابن أبى يزيد عن أبيه حدثنى أبى قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ " دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض، فإذا استنصح الرجل فلينصح له " ورواه البيهقى من حديث جابر مثله قال الشافعي في الام بعد سوق الحديثين، حديث ابن عمر وحديث جابر " وليس في النهى عن بيع حاضر لباد بيان معنى " والله أعلم لم نهى عنه، الا أن أهل البادية يقدمون جاهلين بالاسواق، ولحاجة الناس إلى ما قدموا به.
ومستثقلي
المقام فيكون أدنى إلى ما يبيع الناس من سلعهم، ولا بالاسواق فيرخصوها لهم، فنهوا - والله أعلم - لئلا يكون سببا لقطع ما يرجى من رزق المشترى من أهل
13 / 20
البادية لما وصفت من إرخاصه منهم.
فأى حاضر باع لباد فهو عاص إذا علم الحديث، والبيع لازم غير مفسوخ بدلالة الحديث نفسه، لان البيع لو كان مفسوخا لم يكن في بيع الحاضر للبادى إلا الضرر على البادى من أن يحبس سلعته ولا يجوز فيها بيع غيره حتى يلى هو أو باد مثله بيعها، فيكون كسدا لها، وأحرى أن يرزق مشتريه منه بإرخاصه إياها بإكسادها بالامر الاول من رد البيع وغرة البادى الآخر، فلم يكن ههنا معنى يمنع أن يرزق بعض الناس من بعض فلم يجز فيه - والله أعلم - إلا ما قلت من ان بيع الحاضر للبادى جائز غير مردود، والحاضر منهى عنه.
اه والشوكانى يرى أن أحاديث الفصل تدل على أنه لا يجوز للحاضر أن يبيع للبادى من غير فرق بين أن يكون البادى قريبا له أو أجنبيا، وسواء كان في زمن الغلاء أو لا، وسواء كان يحتاج إليه أهل البلد أم لا، وسواء باعه له على التدريج أم دفعة واحدة.
وقالت الحنفية: انه يختص المنع من ذلك بزمن الغلاء وبما يحتاج إليه أهل المصر.
وقالت الشافعية ووافقهم الحنابلة أن الممنوع إنما هو أن يجئ البلد بسلعة يريد بيعها بسعر الوقت في الحال فيأتيه الحاضر فيقول: ضعه عندي لابيعه لك على التدريح بأغلى من هذا السعر.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري " فجعلوا الحكم منوطا بالبادى ومن شاركه في معناه قالوا وانما ذكر البادى في الحديث لكونه الغالب فألحق به من شاركه في عدم معرفة السعر من الحاضرين، وجعلت المالكية البداوة قيدا.
وعن مالك لا يلتحق بالبدوى في ذلك الا من كان يشبهه، فأما أهل القرى الذين يعرفون أثمان السلع والاسواق فليسوا داخلين في ذلك.
وحكى ابن المنذر عن الجمهور أن النهى للتحريم إذا كان البائع عالما، والمبتاع مما تعم الحاجة إليه، ولم يعرضه البدوى على الحضرى، ولا يخفى أن تخصيص العموم بمثل هذه الامور من التخصيص بمجرد الاستنباط.
وقد ذكر ابن دقيق العبد فيه تفصيلا حاصله أنه يجوز التخصيص به حيث يظهر المعنى لا حيث يكون خفيا على أن الشوكاني ﵀ من مجتهدي الهادوية يتردد في قبول هذه القاعدة
13 / 21
التى أخذ بها الجمهور فيقول: فاتباع اللفظ أولى ولكنه - أي الاستنباط - لا يطمئن الخاطر إلى التخصيص به مطلقا، ثم يقول: فالبقاء على ظواهر النصوص الاولى فيكون بيع الحاضر للبادى محرما على العموم، وسواء كان بأجرة أم لا.
وروى عن البخاري أنه حمل النهى على البيع بأجرة لا بغير أجرة، فإنه من باب النصيحة.
وروى عن عطاء ومجاهد وأبى حنيفة أنه يجوز بيع الحاضر للبادى مطلقا، وتمسكوا بأحاديث النصيحة.
وروى مثل ذلك عن الهادى وقالوا: إن أحاديث الباب منسوخة.
واستظهروا على الجواز بالقياس عن توكيل البادى للحاضر فإنه جائز، وردد الشوكاني رفضه لهذا الجواز بقوله ويجاب عن تمسكهم بأحاديث النصيحة بأنها عامة مخصصة بأحاديث ثم قال: فإن قيل إن أحاديث النصيحة وأحاديث الباب بينها عموم وخصوص من وجه، لان بيع الحاضر للبادى قد يكون على غير وجه النصيحة، فيحتاج حينئذ إلى الترجيح من خارج كما هو شأن الترجيح بين العمومين المتعارضين، فيقال المراد بيع الحاضر للبادى - الذى جعلناه أخص مطلقا - هو البيع الشرعي بيع المسلم للمسلم الذى بينه الشارع للامة، وليس بيع الغش والخداع داخلا في مسمى هذا البيع الشرعي، كما أنه لا يدخل فيه بيع الربا وغيره مما لا يحل شرعا، فلا يكون البيع باعتبار ما ليس بيعا شرعيا أعم من وجه حتى يحتاج إلى طلب مرجح بين العمومين، لان ذلك ليس هو البيع الشرعي ويجاب عن دعوى النسخ بأنها انما تصح عند العلم بتأخر الناسخ، ولم ينقل ذلك، ويرفض الشوكاني القياس لانه فاسد الاعتبار لمصادمته النص، ثم يجعل حكم البيع حكم الشراء مستندا إلى ما أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن ابن سيرين قال: لقيت أنس بن مالك فقلت لا يبع حاضر لباد، أنهيتم أن تبيعوا أو تبتاعوا لهم؟ قال نعم، قال محمد " صدق " انها كلمة جامعة على أن الشافعي رضى الله عنه في تصحيحه للبيع مع الاثم يستدل بالحديث نفسه ولا يستدل بقياس أو قرينة فيقول، فأى حاضر باع لباد فهو عاص إذا علم الحديث، والبيع لازم غير مفسوخ بدلالة الحديث نفسه.
لان البيع لو كان يكون
13 / 22