«ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي» (^١). وقال أبياته الشهيرة (^٢):
نِهايةُ إقدمِ العُقولِ عِقالُ … وأكثر سعي العالمين ضلالُ
وأرواحنا في وحشةٍ من جُسومِنا … وحاصل دُنيانا أذىً ووَبالُ
ولم نَستفِد من بحثنا طول عُمِرنا … سِوى أن جمعنا فيه قِيلَ وقالوا
وكم مِنْ جِبالٍ قد عَلَتَ شُرُفاتِها … رِجالٌ فزالوا والجبالُ جِبالُ
وكم قد رَأينا من رجالٍ ودولةٍ … فبادُوا جميعًا مسرعين وزالوا
والحاصل أن عددًا من أساطين الفلاسفة وعلم الكلام رجعوا عن مذاهبهم الكلامية عند وفاتهم فلماذا يستغرب مثل هذا على الأشعري خاصة وأنه ألف كتابًا فيه عقيدته الموافقة في مجمله لأهل الحديث بل وأعلن قبل ذلك عن رجوعه صراحة.
الدليل الثالث: كيف يعقل أن يعلن رجل عرف بإمامته كالأشعري بأن قوله الذي يقول به وديانته التي يدين بها التمسك بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ثم يتراجع عنه، وهل الرجوع عن هذا الحق - لو كان حاصلًا - إلا رجوع ما قد فرّ
(^١) انظر شرح الطحاوية ص ١٧٨.
(^٢) انظر شرح الطحاوية ص ١٧٧ - ١٧٨ واجتماع الجيوش الإسلامية ١٧٩ - ١٨٠، وطبقات الشافعية ٨/ ٩٠، ٩٦، تاريخ الإسلام للذهبي ١٨/ ٢٤٢، وفيات الأعيان ٤/ ٢٥٠، عيون الأنباء ص ٤٦٦.