Al-Andalus: From Conquest to Fall
الأندلس من الفتح إلى السقوط
शैलियों
ولاية عبد الرحمن الأوسط
تولى من بعد الحكم بن هشام ابنه عبد الرحمن الثاني المعروف في التاريخ باسم عبد الرحمن الأوسط، فإن عندنا الأول هو عبد الرحمن الداخل ﵀، وهذا هو الثاني، والثالث هو المعروف في التاريخ بـ عبد الرحمن الناصر، حكم عبد الرحمن الأوسط بن الحكم من سنة (٢٠٦) إلى سنة (٢٣٨) من الهجرة، أي: استمر حكمه إلى آخر عهد القوة في عهد الإمارة الأموية، وكانت فترة حكم عبد الرحمن الأوسط فترة جيدة جدًا في تاريخ الأندلس؛ فقد استأنف الجهاد من جديد ضد النصارى في الشمال، وألحق بهم هزائم عدة، وكان حسن السيرة، هادئ الطباع، ومحبًا للناس ﵀.
فقد تحققت في حياته ثلاثة أمور: الأمر الأول: ازدهار الحضارة العلمية في بلاد الأندلس؛ فقد انتشر العلماء في كل مجال، وكان أشهر هؤلاء العلماء عباس بن فرناس ﵀ الذي يعتبر أول من حاول الطيران في العالم، وسبحان الله! فإنه صار ضحية هذه المحاولة، وقد كانت له اختراعات كثيرة؛ فقد اخترع آلة لتحديد الوقت، واخترع آلة تشبه قلم الحبر، ونحن قد نستصغر مثل هذا الاختراع، لكن كانت له أهمية كبيرة جدًا في ذلك الزمن؛ أما هذا الزمن الذي انتشر فيه العلم والتعليم، فإن الجميع يحتاجون إلى مثل هذا الذي ينسخ لهم بسرعة مثل القلم الحبر، وهو أول من اخترع الزجاج من الحجارة.
واستقدم عبد الرحمن الأوسط العلماء من كل بلاد العالم الإسلامي، حتى استقدمهم من بغداد، وجاءوا إلى بلاد الأندلس وعظمهم وكبرهم، ورفع من قيمتهم، وأسس في سنوات مكتبة قرطبة العظمية، وشاع التعليم في كل بلاد الأندلس.
الأمر الثاني: اهتمامه الشديد بالحضارة العمرانية والاقتصادية، فقد ازدهرت التجارة في عهده جدًا وكثرت الأموال، حتى إن جميع المؤرخين يذكرون أنه لم يكن هناك في الأندلس عادة التسول، فقد كانت عادة التسول منتشرة في بعض البلاد الإسلامية الأخرى، أما في الأندلس فلم تعرف أصلًا هذه العادة لكثرة الأموال.
وتقدمت وسائل الري في عهد عبد الرحمن الأوسط بشكل رائع، وتم رصف الشوارع، في هذا العمق القديم في التاريخ، وكانت أوروبا في جهل وظلام عميق، فأقام عبد الرحمن الأوسط القصور المختلفة والحدائق الغناء، ووسع في المعمار حتى أصبحت المباني الأندلسية آية في المعمار في عهد عبد الرحمن الثاني ﵀.
الأمر الثالث: هو ما يسمى بغزوات الفايكنج أو غزوات النورمن، وهم أهل إسكندنافيا في ذلك الوقت، وهذه بلاد تضم الدنمارك والنرويج وفنلندا والسويد، فقد كانت تعيش في همجية مطلقة، وكانوا يعيشون على حرب العصابات؛ وفعلت ما يسمى بغزوات الفايكنج، وهي غزوات إغارة على بلاد العالم في أماكن مختلفة متفرقة، ليس لها هم إلا جمع المال وهدم الديار وما إلى ذلك، فهجمت على أشبيلية في سنة (٢٣٠) من الهجرة؛ في عهد عبد الرحمن الثاني وكان قوام الجيش الإسكندنافي في هذه الموقعة (٥٤) سفينة؛ فدخلوا إشبيلية، فأفسدوا فيها فسادًا كبيرًا، وهذه هي طبيعة الحروب المادية بصفة عامة، كل الجيوش المادية تدخل أي بلاد فتفسد فيها إفسادًا عظيمًا، وشتان بين المسلمين في فتحهم للبلاد وبين غيرهم في معاركهم؛ فقد دخل هؤلاء فدمروا إشبيلية تمامًا، ونهبوا ثرواتها، وهتكوا أعراض نسائها، وهكذا في غيرها من البلاد؛ كشذونة وألمارية ومرسية، حتى أشاعوا الرعب فيها.
فجهز عبد الرحمن الثاني ﵀ جيوشه، ودارت بينه وبينهم معارك ضارية استمرت أكثر من مائة يوم كاملة، ومنّ الله على المسلمين بالنصر، وغرقت (٢٣) سفينة كاملة للفايكنج، وعادوا إلى بلادهم خائبين.
فقد استفاد من الأخطاء التي كانت سببًا في دخول الفايكنج إلى هذه البلاد، فكان رد فعله لهذا الحدث الكبير ما يلي: أولًا: أنشأ سورًا ضخمًا جدًا حول أشبيلية، وأشبيلية تقع على نهر الوادي الكبير، ونهر الوادي الكبير يصب في المحيط الأطلنطي، ومن السهولة جدًا أن تدخل سفن الفايكنج أو غيرها من السفن من المحيط الأطلنطي إلى أشبيلية، لذلك حصنها تحصينًا ظلت بعده من أحفظ حصون الأندلس بصفة عامة.
ثانيًا: أنشأ أسطولين قويين جدًا، فجعل أحدهما في الأطلسي، والآخر في البحر الأبيض المتوسط، حتى يدافع عن سواحل الأندلس، فكانت هذه الأساطيل تجوب البحار؛ حتى تصل إلى أعلى حدود الأندلس في الشمال عند مملكة ليون، وتصل في البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا، وكان من نتيجة ذلك أنه فتح جزر البليار للمرة الثانية، والذي فتحها للمرة الأولى هو موسى بن نصير ﵀؛ وكان ذلك قبل فتح بلاد الأندلس في سنة (٩١) من الهجرة، ثم سقطت جزر البليار في يد النصارى في عهد الوالي الثاني الحكم بن هشام لما انحدر حال المسلمين هناك، ثم أعاد من جديد عبد الرحمن الأوسط ﵀ فتح جزر البليار في سنة (٢٣٤) من الهجرة،
5 / 6