إذا تركت الزنا توفيرا لكرامتك أو لصحتك، كيف لا تكون عفيفا، ولماذا طلبت العفة، ودعا إليها الشرع؟ أليس ذلك لأن فيها حفظا للصحة، وتوفيرا للكرامة؟ وإذا كنت تتخذ العقل مقياسا للخير والشر، فخبرني أيجد العقل ما يحكم به على ضرر الزنا وأنه شر أكثر من أنه مود بالصحة، ذاهب بالكرامة؟
ونعود فنذكر أن الغزالي سخر ممن يرون السعادة الأخروية في نعيم الجنة، وما فيها من الحور والولدان، وإن نطق بذلك الكتاب، ورأى أن سعادة الآخرة هي رضاء الله. أفلا يصح لنا قياسا على هذا أن نعد الطمع في السعادة الأخروية عند إغاثة الملهوف، وإسعاف الجريح، ينافي ما تسمو إليه الأخلاق، وأن واجب الرجل الخير أن يرى سعادته في سعادة من أغاثه وواساه، لا أن يلقى جزاءه على ذلك في الآخرة، وإن لم تثمر أعماله في الأولى؟
ولا يفوتنا أن نقرر أن فهم الغزالي للغاية الأخلاقية على هذا النحو جعله يخطئ في فهم كثير من أسرار الشريعة، ففريضة الحج مثلا يحسبها الغزالي نوعا من الرياضة الروحية، فتراه يملأ باب الحج من كتاب الإحياء بالأدعية والأوراد، حتى لتجد لكل خطوة يخطوها الحاج دعاء خاصا بها، وحتى لتحسبه غفل عن قوله تعالى:
ليشهدوا منافع لهم
1
إذ تراه يستكثر أن يحج المرء لينتفع بموسم التجارة!
ونظرة صغيرة إلى حرص الشريعة على وحدة المسلمين، ترينا السر في فرض الحج على من استطاع إليه سبيلا؛ فالتجارة التي تنبه إليها الغزالي ثم استنكرها، ليست شيئا بجانب ما يستفيده المسلمون حين يتلاقى حجاجهم، وينفض كل منهم أخبار قومه ليعرفوا ما يحيط بهم من المشاكل الدولية، وليستعدوا لدرء ما قد يحيط ببعض ثغورهم من خطر. ولكن الغزالي يرى العمل كله في العبادة المجردة، ويرى الجزاء أيضا عبادة مجردة، وكثيرا ما نص الصوفية على أن لذائذ الجنة ليست مادية، ولكنها تسبيح وتقديس وتهليل؟!
الفصل الخامس
هل تورث الأخلاق
قرر الغزالي حين تكلم في التربية أن قلب الطفل «جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة. وهو قابل لكل ما ينقش عليه، ومائل إلى كل ما يمال به إليه. فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة. وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك.» ص77 ج3.
अज्ञात पृष्ठ