يغتر بعضنا بالشهادات والألقاب العلمية، ويتهافتون على إدراكها بدون علم أو امتحان، وينامون على الثقة. ولكن باكون قال: «إن الدروس لا تعلم كيفية الاستفادة، ففي خارج الكتب حكمة تكتسب بالملاحظة. وفائدة الكتب يجب أن تطلب في خارج جلودها.»
والآن فلنقم بما وعدنا، ولنعد إلى الجدول مبتدئين بالشباب النوابغ.
قال رسكين: «أبدع الآثار الفنية اصطنعت في سن الشباب.» وقال دزرائيلي: «كل شيء عظيم من صنع الشباب. إن القلب هو الذي يتسلط على الشباب، أما الرجولية فيتسلط عليها الدماغ. فالإسكندر ونابليون، كانا شابين حين قبضا على المسكونة.»
ورافائيل وبيرون ماتا قبل الأربعين، وروملوس أسس رومية في العشرين، وأسامة بن زيد عقد له لواء الفتح وهو يافع. ونيوتن اكتشف بعض أهم اكتشافاته وهو لم يبلغ الخامسة والعشرين، وكتس مات في الخامسة والعشرين، وشلي قضى نحبه في التاسعة والعشرين، وأديب إسحق ونجيب الحداد ماتا في هذه السن، ولوثيروس عد مصلحا في الخامسة والعشرين، وفيكتور هيغو ألف مأساة وحاز ثلاث جوائز وهو دون العشرين، وغوت أنشأ تمثيليات في الثانية عشرة، وابن المقفع مات في السادسة والثلاثين وكثيرون من نوابغ العالم ماتوا قبل الأربعين.
وإذا كانت الطاقة تنتج ما أنتجت في طور الشباب، فماذا يكون منها لو رافقت الشيخوخة؟ هاك جدول الشيوخ:
غلادستون، في سن الثمانين، كانت له عشرة أضعاف القوة والقيمة اللتين يتمتع بهما شاب من طرازه في الخامسة والعشرين، وهوميروس الشيخ الأعمى نظم الأوديسة في آخر العمر، ولزوميات المعري بنت شيخوخة مهدمة، وكان ولنكتون وكليمنصو وتشرشل بين السبعين والثمانين حين ربحوا الحرب العظمى، وقصة روبنسون كروزي كتبت في الستين، وأفلاطون مات في الحادية والثمانين وهو يكتب، وشوقي ظلت طاقته تعطي حتى الليلة التي مات فيها، وغاليلو ظل في السابعة والسبعين يواصل عمله ويطبق مبادئه العلمية وهو مكفوف البصر، والشدياق والجاحظ ألفا وكتبا في التسعين، وبرناردشو نيف على التسعين وظل مرحا لا تفارقه طاقته.
إن الرجال كالخمرة، فمنها ما يصير خلا متى عتق، ومنها ما يصير نبيذا فاخرا. فلا تقل إذن: هذا شاب وذاك شيخ، فما أشبه دماغ الإنسان بالبطارية الكهربائية، فمنها ما يفرغ في الشباب، ومنها ما يظل يعطي إلى آخر العمر. فكن إذن شمسا، قوية الطاقة لا قمرا يستمد النور ويستجديه، ويتضرع إلى الغيوم كيلا تحجب نوره المستعار.
وإذا سألتني كيف أعرف إذا كنت شيخت، فإني أجيبك: اسأل قلبك يقل لك. فإذا كنت لا تعتقد أنك كبرت، فأنت لا تزال بخير ولو كنت ابن تسعين.
طريق الفلاح
ليس للفلاح؛ أي النجاح في الحياة طرق معبدة، ولا خطوط حديدية، ولا أوتسترادات. فعلى كل منا أن يشق هذا الطريق الضيق بيديه. وما أخال الباب الضيق الذي عناه يسوع إلا طريق الفلاح الذي كثيرا ما نهتدي إليه، ولكن بعد كد وعناء عظيمين. فمنا من يفلح شابا، ومنا من لا ينفتح له باب النجاح إلا مكتهلا، ومنا من لا يدرك شيئا لا شابا ولا كهلا.
अज्ञात पृष्ठ