جاء فرأيته في بستان الزيتون رافعا يديه إلى السماء صارخا: يا أبتاه أجزعني هذه الكأس ... وسمعته يبكت تلاميذه قائلا لهم: ألا تسهرون معي ساعة واحدة؟ فقلت: ما لي وللسؤال فقد جئته يوم بؤسه. فبارحت أورشليم تاركا خلفي ضوضاء الكتبة وجلبة الفريسيين، نافضا ما علق بأذيالي من غبار تلك الدهور. يممت جزيرة العرب لأسأل عباد اللات والعزى عن السعادة، فشهدت مقتل كليب ويوم أوارة وسوم عكاز. وسمعت وقع أقدام نبي عربي فأسرعت الخطى إلى المدينة فصادفته هاربا يتسلق الصخور، ويتسرب في المغاور والكهوف فلم استحسن السؤال ...
فعدت واليأس ملء صدري من رحلة استغرقت سنين، فالتقيت في ضواحي دمشق شيخا جليلا ألبسته الأيام جبة لحمتها العصور وسداها الدهور. رأيت بقربه مركبة نارية دونها إتقانا طائرات هذا الزمان. فصحت به : تسم يا شيخ؛ فأدرك إنني استهنته، فجرد سيفا، لا أدري من أين جاء به ولا أين كان يخفيه، فاتقد شعلة نارية، فتذكرت صورة في إحدى الكنائس وقلت في نفسي: هذا إيليا لم تخمد نار حدته الأجيال. وماذا يصنع هزيل الأسفار أمام من يستنزل من السماء النار، ويقتل ثلاثمائة وخمسين من الكهان؟ فسألته الصفح عن غلاظتي، فابتسم ابتسامة روعتني - وكم من ابتسامة ترتعد لها الفرائص - وبعد حديث طويل أطلعته على خفايا نفسي وأخبرته أنني طفت في الأرض مفتشا عن السعادة.
فقال لي: إنك تفتش، يا ابن اليوم، عما يفتش عنه شيخ الأجيال. فإن شئت إزاحة اللثام عن وجه الحقيقة فاصعد إلى الأعالي وقابل رب الأرباب. إنما كن جسورا فهنالك من يقفل الباب بوجهك.
فتنهدت قائلا: قبل الدخول عقبات يا شيخ. يا أيها النبي الحي المخلد على رغم الموت، مهد لي الطريق حتى أتعلق بأذيال الباب؛ لأسمعك صراخا تردد صداه الأرض.
فأركبني مركبته النارية التي أقلته مرة إلى السماء ... فاخترقت الأعالي فأفزعت ضوضاؤها سكان المريخ، وأطل علينا من سكان الكواكب أشكال وألوان.
وقفت المركبة على باب السموات فرأيته مفتوحا، ولا حاجب هناك ولا بواب، يلجه جميع أبناء البشر ولا يسأل أحد هناك إلا عن حسناته. فسمعت صوتا يناديني: من أين القادم؟
حدقت النظر إلى المكان الخارج منه الصوت ولما لم أر أحدا قلت بعد هنيهة: من الأرض.
فأجابني: ولماذا جئت إلى هنا؟
فقلت: أفتش عن السعادة.
فقال: ألم تجدها؟
अज्ञात पृष्ठ