48

आखिर दुनिया

آخر الدنيا

शैलियों

قلت على الفور أيضا: أي حاجة إيه.

ولم يجب ... تأملني مرة أخرى، وقال: شايف النار دي؟

ولم أكن قد رأيت نارا، ولكني حين تلفت وجدت قبضة بعيدة كالجمرة تحسبها عين ذئب وحيد العين. - عارف مين هناك؟ - مين؟ - شلبي. - شلبي مين؟ - صاحبي وحبيبي، أنا جاي أقابله أصلي ما شفتوش من زمان، ونفسي هفتني عليه.

وشرح لي الغريب المطلوب مني. قال إنه يريد أن يخيف شلبي والرجل الجالس معه أمام النار، يشويان الأذرة وتملأ رائحتها الجو ... كان علي أن آخذ المدفع معي، وأمشي باحتراس حتى أصل منهما، ثم أخرج عليهما فجأة، وأقول: بتعمل إيه يابن الكلب إنت وهوه؟

وعلي أن أطمئن؛ فسرعان ما سيظهر هو، ونضحك جميعا على ما حدث، ونجلس معهم نشوي الذرة ونأكلها.

وفي الحقيقة ظل قلبي يخفق، وكأنني ذاهب إلى حتفي، والمدفع يرتجف في يدي حتى اضطررت لإمساكه بيدي الاثنتين وأضغطه في كتفي. وببطء شديد رحت أتقدم، وخيل إلي أن وقتا طويلا قد مضى قبل أن تصبح المسافة بيني وبينهما كافية لأن أراهما وأرى وجهيهما. كانا اثنين؛ أحدهما شاب وسيم يرتدي طاقية صوف معوجة في عياقة على رأسه، والآخر كان واضحا أنه خفير نظامي؛ فقد كانت بندقيته راقدة بطولها على ساقيه المتربعتين، وهو مشغول بالهف على النار وتقليب الكيزان، بينما الأول جالس، وقد أحاط ساقيه بيديه، وعلى وجهه علامات تفكير.

ولولا خوفي من الغريب؛ لضربت فوقهما طلقة في الهواء، فقد كان المدفع معبأ في يدي يغري بالإطلاق ... وإطلاق الرصاص من بعيد أسهل بكثير من أن أواجههما.

ظللت أتردد وأرتجف، حتى رأيت شبح الغريب يطل من باب الحظيرة خلفهما ... وحينئذ فقط، وكأنما أصدر لي أمرا غير مسموع، وجدت نفسي أنطلق كالثور الهائج أصرخ وأدب بأقدامي، وأخترق المسافة الكائنة بيني وبينهما في قفزات واسعة ألقتني في لمحة البصر أمامهما، لا يفصلني عنهما إلا النار المحمرة الخافتة، والمدفع في يدي أصوبه بحماس بالغ مضحك ... ولكن الحيلة نجحت بأكثر مما توقعت؛ فقد ارتدا إلى الخلف في جزع حقيقي، بل اندفع الخفير يصرخ وكأنما فقد عقله ... غير أن هذا كله استغرق ... لم يستغرق في الحقيقة أي زمن، وكأنه لم يحدث بالمرة ... إذ في نفس الوقت تقريبا، كان شيء آخر يحدث ... أفظع وأبشع شيء شاهدته، أو سأشاهده في حياتي.

والكارثة التي لا خلاص منها أني شاهدته بعيني هاتين ... رأيته ولم يكن أمامي إلا أن أراه ... إلى هذه اللحظة بإمكاني أن أتذكر الغريب، وهو يتقدم ليصبح خلفهما مباشرة، وبإمكاني أيضا أن أتذكر يديه حين ارتفعتا عاليا فوق رأسه، ولكني لا أذكر أبدا أني رأيتهما تهويان. كل ما أذكره هو ذلك الصوت الذي لم أسمعه قبلا، والذي لا يشبه أي صوت من أصوات الوجود الأخرى، صوت كصوت كسر البيضة بالبيضة إذا كانت البيضة في حجم الرأس ... كصوت الحديد المحمي حين يطش إذا وضع في الماء ... ما أذكره هو ... طس ... وإذا بالشاب العايق يقوم نصف قومة، ولكنه لا يعود للجلوس، ترتفع ساق من ساقيه في الهواء، ثم تبدأ تهبط على دفعات متقاربة، وكأنها عقرب ساعة نطاط، وكذلك راح رأسه يهبط ... ولكنه لم يكن نفس رأسه، كان قد تحول إلى كتلة، وقسم إلى قسمين بينهما شيء لامع أسود تنخلع قلوب أكثر الرجال شجاعة إذا عرف أنها بلطة قد غورت في الرأس، ووصلت خلال إحدى العينين إلى الوجنة.

12

अज्ञात पृष्ठ