ووقف سامح يترقب ظهور فاتن ويتأمل الصالة، كان فيها ترابيزة سفرة مثل صالتهم، غير أن كراسيها قديمة موضوعة فوق الترابيزة. وكان هناك كرسي غريب الشكل مسنده عال جدا، يحتاج إلى سلم للصعود عليه، والكرسي ترقد فوقه قطة ذات ألوان جميلة، ملفوفة على نفسها ونعسانة. وظهرت فاتن فجأة، وكأنما خرجت من تحت الأرض، ترتدي فستانها الأبيض القصير الذي يرتفع ذيله عن الركبة، وتوجهت إلى التسريحة الموضوعة في الصالة، وانحشرت بينها وبين الحائط، ثم أخرجت سبتا صغيرا مثل الأسبتة التي يباع فيها حب العزيز، غير أنه مصنوع من البوص، وعلقت السبت في يدها، واتجهت إلى الباب حيث يقف سامح، وابتسم لها سامح وسار في اتجاه السلم، وتبعته فاتن.
وفي منتصف السلم قال لها فجأة: إن كنت جدعة امسكيني قبل ما اوصل باب شقتنا.
وجرى أمامها فوق الدرجات، ولكنه حين لم يسمعها تجري خلفه توقف، وقال: إخيه عليكي ... مش قادرة تجري ورايا يا خايبة؟
فقالت وفي ملامحها ثبات وتأفف ورزانة: أنا محبش الجري ده.
وتضايق سامح قليلا من تأففها، ووقف ينتظرها وهو معلق بدرابزين السلم، ونصفه خارج عنه.
ودخلا الشقة من بابها المفتوح، وتأكد سامح أن أمه مشغولة في المطبخ؛ إذ كانت لا ترحب أبدا بإحضاره فاتن ليلعب معها ... وعبر سامح الصالة وفاتن وراءه، وعيناها لا تغادران السبت المعلق في يدها.
وأصبحا في الحجرة الداخلية ذات السرير الحديدي القديم والدولاب والكنبة.
وقال سامح وهو يهلل ويشير إلى ما تحت السرير: أهو ده بيتنا ... أهو ده بيتنا ... يلا بقى نعمل بيت.
ورفع داير السرير الأبيض الذي يحيط به من كل الجهات، ودخل تحت السرير، ودخلت فاتن وراءه ... وبينما بقيت هي على رزانتها، بدأ سامح يصنع زيطة كبيرة، ويصرخ ويدور ويهلل، ثم أخذها إلى ركن السرير الداخلي؛ حيث صندوق الشاي القديم الذي يحتوي على كل ممتلكاته وألعابه الخاصة ... مجموعة كبيرة من علب السجائر الفارغة، وأغطية الكازوزة، وأرجل كراسي مصنوعة بالمخرطة، وعلب تونة وسالمون بمفاتيحها، وقطع صغيرة كثيرة من أقمشة جديدة متعددة الألوان سرقها من درج ماكينة الخياطة. وجر الصندوق وأخذ يستخرج محتوياته ويفرج فاتن عليها ... وبدأت الرزانة تغادر فاتن، فجلست على الأرض وتربعت، وأخذت تخرج من «سبتها» لعبها هي الأخرى وممتلكاتها وتفرجه عليها.
وفي هذه المرة أيضا أعجب سامح بالحلة الألومنيوم الصغيرة، والوابور البريموس الصغير، وترابيزة المطبخ التي في حجم علبة الكبريت. واستكثر على فاتن أن تكون هي مالكة هذه اللعب الجميلة كلها ... ثم انتابته الخفة والحماسة، فقام وأخذ ثلاثة ألواح خشبية كانت ساقطة من «الملة» القديمة، ومضى يضعها على حدها، ويقسم بها ما تحت السرير إلى أقسام، وهو يقول: دي أوضة السفرة ... ودي أوضة النوم ... وده المطبخ. وبدأت فاتن تنقل أشياءها إلى المطبخ، ووضعت الترابيزة في ركن ووضعت فوقها الوابور، ثم وضعت الحلة فوقه، وقالت: احنا اتأخرنا قوي ... نطبخ إيه النهارده؟!
अज्ञात पृष्ठ