ولأسباب أخرى اهتم المؤرخون المسلمون بالكتابة عن تاريخ المدينة المنورة فظهرت عدة مؤلفات عن المدينة إبان القرنين الثاني والثالث الهجريين فكان من أشهرهم محمد بن الحسن بن زبالة، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، وعلي المدائني، والزبير بن بكار، وعمر بن شبة، ويحيى العلوي، وغيرهم ممن تفرقت أخبارهم في المصادر .
وكان للمؤرخين المذكورين شرف السبق في تناول تاريخ طيبة في كتب مفردة لهذا الفرض مما جعل لهذه المؤلفات أهمية كبيرة لدى المؤرخين الذين جاؤوا بعد العصور الأولى فكانت كتبهم تلك هي المصادر التي اعتمدها المؤرخون اللاحقون وأصبحت عمدة مؤلفاتهم، غير أنه لا يوجد غير كتاب واحد بقي منها متوافرا بين يدي الباحثين وهو كتاب تاريخ المدينة لابن شبة الذي عثر الباحثون على نسخة منه وطبع محققا، أما بقية تلك الكتب المؤلفة في المرحلة الأولى فلم تعرف منها نسخ مخطوطة ولم تجمع متفرقات أخبارها في كتب أو رسائل، وحيث إن ابن زبالة أول من صنف كتابا شاملا في أخبار المدينة - حسبما توصلت إليه - ويعد رائدا في التاريخ المحلي للمدينة المنورة، وأحد المؤرخين المسلمين البارزين الذين اعتمد عليه من جاء بعده واتبعوا منهجه في الكتابة التاريخية للمدينة، وبما أن كتابه مفقود، فقد كان ذلك دافعا لي في جمع نصوص هذا الكتاب وتقديم ترجمة لصاحبه تبين مدى جهوده العلمية وآثاره وإسهامه في الكتابة التاريخية عن المدينة وأثره فيما جاء بعده، ودراسة منهجه دراسة علمية دقيقة، حيث لم يسبق أن جمعت نصوص ابن زبالة سوى ماقدمه أحد المستشرقين من نصوص لابن زبالة قبل قرن من الزمان جمعها من كتاب السمهودي فقط وسمى كتابه ((تاريخ المدينة لابن زبالة)) وهو المستشرق الألماني ((فستنفيلد)) كما لم يحظ ابن زبالة بترجمة أكاديمية سوى ماقدمه الدكتور أكرم ضياء العمري في كتاب منتخب من كتاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من ترجمة طويلة.
पृष्ठ 6