الفرع الفاطمي يؤكّد «كارزميته» عبر الخروج بالسيف للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولإقامة دولة العدل. ولم يكن الزيديّة هم الطرف الوحيد بل شهدت هذه الفترة صعود نجم الشيعة القائلة بإمامة «النصّ والنّسق» والتي أخذت تلتفّ حول الإمام جعفر الصادق بعد فشل ثورة النفس الزكيّة الذي خرج مدّعيا «المهدية»؛ وشهدت كذلك انتشار الدعوة الإباضيّة وغيرها.
تعود المصادر التي وصلتنا إذا إلى مرحلة كان على الزيدية فيها التعايش «كدولة» إلى جانب الدولة العباسيّة القائمة، وغيرها من الدويلات التي ظهرت في تلك الفترة وصار لزاما عليها إعادة النظر في نظرتها لبداياتها ولتاريخها وللتاريخ الإسلامي بعامّة، هذا ولم تكن الزيديّة كتلة متجانسة بل اتّجاهات متحرّكة.
ويمكننا أن نستخلص الصورة التاريخية العامّة-إذا جاز التعبير-للزيدية وفهمهم لأنفسهم من خلال الرسائل التي وصلتنا خاصة الرسائل المتبادلة بين محمد النفس الزكية وأبي جعفر المنصور [١]، والرسائل التي تنسب ليحيى بن عبد الله وأخيه إدريس والتي وردت في مخطوط «أخبار فخ» [٢]، وكذلك غيرها من الرسائل والكتب.
ولعلّه ما زال من المبكر قليلا أن نصل إلى نتائج حاسمة قبل تحقيق المصادر الزيدية تحقيقا علميا ودرس مصادرها، غير أني أراني لا أعدو الصواب إذا قلت إنّ خطة هذه المصادر-الأولى منها على الأقل-كانت تتمثل في ملء الخطوط العامّة للتصور التاريخي كما يبدو في الرسائل المبكرة
_________
[١] انظر تاريخ الطبري ٧/ ٥٦٦ - ٥٧١ (-٣/ ٢٠٩ - ٢١٦)؛ وكتاب المصابيح (مصورة دار الكتب المصريّة برقم ٨١)،٧٩ أ-٨٠ ب، وحتى إذا لم تصحّ نسبتها فهي تبقى تعكس وجهة نظر زيديّة.
[٢] درست هذه الرسائل في بحث سوف يصدر في الكتاب التكريمي للدكتور إحسان عبّاس، تحرير إبراهيم السعّافين، عمّان.
1 / 14