EDITOR|
مقدمة
1- قبل حوالي عشرين سنة، عثرنا في مكتبة مدرسة أبي حنيفة، في الأعظمية، على مخطوط دون عنوان. ويحوط صفحتي فاتحة المخطوط زخرف جميل، يتخلل أعلاه وأسفله ما يلي: «كتاب فيه أخبار العباس وفضائله ومناقبه، وفضائل ولده ومناقبهم، رضوان الله عليهم أجمعين» ، إلا أن وسط الصفحتين خال من الكتابة. والتعريف بالمخطوط دون ذكر العنوان أمر يدعو للتساؤل خاصة حين يلاحظ محتواه. ومع أننا نميل إلى أن عنوان الكتاب هو «أخبار الدولة العباسية» كما سنبين فيما بعد، إلا أننا أبقينا «أخبار العباس وولده» كما جاء في التعريف وكما توحي خطة الكتاب.
إن التعريف المذكور يشعر بأن الكتاب يتناول تاريخ الخلافة العباسية، إلا أنه- كما وصل- ينتهي قبيل قيامها. فالمخطوط يتحدث عن العباس، وعبد الله بن العباس، وعلي بن عبد الله، ومحمد بن علي، ثم عن إبراهيم الإمام ابن محمد بن علي، ونهايته، وهرب أخيه أبي العباس إلى الكوفة قبيل دخول القوات الخراسانية هذه المدينة. وحين يتناول المخطوط سيرة العباس بن عبد المطلب وأولاده المذكورين، يجعل محور حديثه قضية الإمامة وموقف العباسيين منها وتطلعهم إليها وعملهم في سبيلها. فهو في حقيقته تاريخ موسع للدعوة العباسية.
وقد كتب المخطوط بخط نسخي حسن، ويقع في أربعمائة صفحة وثلاث
पृष्ठ 7
صفحات، من قياس 18- 25 سم، وتحوي كل صفحة منها خمسة عشر سطرا بمعدل 11- 12 كلمة في السطر الواحد. ولم يصلنا المخطوط كاملا، إذ تنقصه الأوراق الأولى التي تحوي الديباجة وسيرة العباس إلى خبر وفاته.
وينتهي المخطوط بقائمتين: الأولى ب «تواريخ الخلفاء من بني أمية» ، والثانية ب «تواريخ الخلفاء من بني العباس رضي الله عنهم» . وواضح أن القائمتين ألحقنا بالكتاب، دون أن تكونا منه، إتماما للفائدة. ولكن القائمة الثانية تدلنا على فترة نسخ المخطوط، ذلك أنها تقف عند «تاريخ خلافة الإمام المتوكل على الله أبي [1] عبد الله محمد سنة ثلاثة وستين وسبعمائة ... وهو الخليفة القوام بعصرنا» . وهذا يحدد زمن كتابة المخطوط بين 763- 779 ه/ 1362- 1377 م.
2-
إن نسخة المخطوط الذي ننشره فريدة، وقد سبق لنا أن عرفنا به قبل عدة سنين [2] . ثم نشر الأستاذ بطرس غريازنيويج قطعة مصورة من مخطوط بعنوان «نبذة من كتاب التاريخ- للمؤلف المجهول من القرن الحادي عشر» مع ترجمة وتعليقات بالروسية [3] ، ثم نشر المخطوط كله مصورا بعنوان «تاريخ الخلفاء للمؤلف المجهول من القرن الحادي عشر» [4] . ويهمنا هذا الكتاب لصلته الوثيقة بمخطوطنا، وللضوء الذي يلقيه على بعض مشكلاته.
ويتكون تاريخ الخلفاء من قسمين، يتناول القسم الأول منه تاريخ الخلفاء الراشدين، ثم التاريخ الأموي. ويهمنا منه القسم الثاني، وهو ما نشر بعنوان
पृष्ठ 8
«نبذة من كتاب التاريخ» ، ويقع هذا القسم بين ص 475 (235 ب من المخطوط) وص 592 (294 أمن المخطوط) من «تاريخ الخلفاء» ، ويختص بالعباسيين. يبدأ المؤلف هذا القسم بالبسملة، ويقدم له بديباجة في فضائل الدولة العباسية، ثم يعرف بصلته بالعباسيين، وهي صلة ولاء تعود إلى جده الأكبر (وثاب) ، والد المقرئ يحيى بن وثاب، وكان مولى مكاتبا لعبد الله بن العباس [1] . وهذه المقدمة تلفت النظر، إذ إن المؤلف اكتفى، حين تناول تاريخ الأمويين، بعنوان بسيط وهو «خلافة بني أمية وبني مروان» ، وكأنه يشعرنا بأن القسم الخاص بالعباسيين هو كتاب ثان، وهو ينعت هذا القسم مرة ب «أخبار الدولة المباركة العباسية» [2] وأخرى ب «أخبار الدولة الهاشمية العباسية» [3] ، مما يوحي بأن عنوانه هو «أخبار الدولة العباسية» .
ومع أن المؤلف يلتزم في هذا القسم ب «الإيجاز والاختصار» كما فعل في القسم الأول [4] ، إلا أنه يضيف إلى ذلك بعدئذ أنه تجنب «التطويل بحديث الأسانيد وذكر أسماء الرجال» [5] ، فيلمح إلى أنه يوجز مؤلفا بعينه، وأنه لم يأخذ من «الكتب الكبار والمصنفات الأصول» [6] ، كما فعل في تاريخ الراشدين والأمويين. وهو يعترف بذلك ضمنا في معرض حديثه عن أبي مسلم، إذ يقول «وله أحاديث وحكايات جرت عليه بمرو ونسا ونيسابور والري،
पृष्ठ 9
يشتمل عليها التاريخ الكبير وليس يحتملها هذا المختصر» [1] . ويتأكد هذا الاستنتاج بمقارنة هذا القسم بمخطوطنا، إذ نرى أن المؤلف اعتمد على «أخبار العباس وولده» وحده واختصره، ولكن عملية الاختصار لم تعد حذف الأسانيد وبعض الروايات، وأما الباقي فأورده عادة بالنص. وهناك اختلافات بسيطة في بعض التعابير أو الكلمات، لا ندري إن كانت من تصرف المؤلف أو من أثر النسخ، ولكننا نرجح الاحتمال الثاني. وقد مر بنا أن المؤلف يسمي هذا القسم «أخبار الدولة العباسية» في حين أن عنوان الكتاب هو «تاريخ الخلفاء» والفرق واضح ومهم بين «أخبار» و «تاريخ» في علم التاريخ عند العرب.
إن ما ذكرنا يجعلنا نتساءل عن أصل مقدمة القسم الخاص بالعباسيين من «تاريخ الخلفاء» - أهي ديباجة مؤلف هذا الكتاب، أم انها اقتباس لديباجة «أخبار العباس وولده» شأن باقي الكتاب. ونحن نرجح الاحتمال الثاني، إذ إن من يختصر كتابا بعينه لا يحتاج إلى توضيح لطبيعة الأخبار التي أخذها جملة عن غيره. ويعزز هذا الرأي أن الديباجة تشير إلى حداثة الدولة العباسية حين تنص «مع أن قرب العهد بها واتصال السماع خلفا عن سلف يحملان على زيادة الشرح» [2] ، وهو قول يصدق على القرن الثالث الهجري، بالنسبة للكتابة التاريخية، لأنه عصر جمع الروايات وتمحيصها على نطاق واسع من قبل الجيل الأول من المؤرخين الكبار، كما فعل مؤلف «أخبار العباس وولده» ، ولكنه لا يرد بالنسبة للقرن الخامس الهجري، وهو فترة كتابة تاريخ الخلفاء [3] .
3-
وبضوء ما مر، فإننا نرجح أن عنوان المخطوط الذي ننشره هو
पृष्ठ 10
«أخبار الدولة العباسية» . ونحن نلاحظ أن كلمة «دولة» هنا لا تعني بالضرورة الكيان السياسي المفهوم، بل إن مؤلف «أخبار العباس وولده» استعملها بمعنى «دعوة» إذ يقول: «إن إبراهيم الإمام بن محمد أوصى أبا العباس عبد الله بن محمد بالقيام بالدولة، وأمره بالجد والحركة، وأن لا يكون له بالحميمة لبث ولا عرجة حتى يتوجه إلى الكوفة» [1] . ويذكر الأزدي أن عبد الله بن علي كان يشجع المسودة قبيل معركة الزاب قائلا: «إنها الدولة التي لا يباريها أحد إلا صرعة الله» [2] ، ولا تعني كلمة «دولة» هنا إلا «دعوة» أو حركة مباركة. وينسب الأزدي، في رواية، إلى مروان بن محمد قوله لأحد قادته حين استهان بالمسودة: «دع عنك هذا، على ودي أن دولتهم لنا، وأن عسكري معهم» [3] . وبصرف النظر عن قيمة الرواية، فإن كلمة «دولة» في هذا النص تقرب في المعنى مما ذكر، وقد تعني «الدور» .
هذا إلى أن صاحب تاريخ الخلفاء يستعمل كلمة «دولة» مرادفة لكلمة «دعوة» في أكثر من موضع [4] .
وهذا يعزز رأينا في أن عنوان الكتابة هو «أخبار الدولة العباسية» ، ما دامت كلمة دولة تعني دعوة أو حركة.
4-
إن عنوان المخطوط، ومقارنته بالقسم الثاني من «تاريخ الخلفاء» تدل على أنه يبدأ بأخبار العباس بن عبد المطلب [5] . ولما كان المختصر- كما
पृष्ठ 11
ورد في تاريخ الخلفاء- يوازي ربع الأصل وهو «أخبار العباس وولده» ، فإن المقارنة بينهما تعطينا فكرة عن الأوراق المفقودة من أول المخطوط.
ففي تاريخ الخلفاء تشغل ترجمة العباس أربع صفحات [1] ، وهذا يعني أن «أخبار العباس وولده» ترجم للعباس بحوالي ست عشرة صفحة، بقي منها في المخطوط ثلاث صفحات، وهذا يعني أن ما فقد يقع في حدود ثلاث عشرة صفحة.
أما نهاية المخطوط فتبدو مبتورة، ولكن الدلائل لا تؤكد ذلك.
فمقارنة المخطوط بتاريخ الخلفاء تضعف احتمال النقص، ذلك أن روايات مخطوطنا تنتهي عند الصفحة 290 أس من تاريخ الخلفاء حيث يبدأ الخبر التالي بالعبارة الآتية: «وروي من عدة وجوه أن أبا العباس.. إلخ» ، وهذا يعني أن مختصر «أخبار العباس وولده» انتهى، وأن مؤلف تاريخ الخلفاء عاد إلى طريقته في الأخذ من عدة مصادر. كما أن مؤلف «الأخبار» في حديثه عن تهيؤ مروان لمواجهة المسودة يقول «وأقام يحشد يريد أن ينهض إلى الهاشمية، وقد أيقن بزوال ملك بني أمية، حتى ظهر أبو العباس (رضي الله عنه) فإنه أول خلفاء بني العباس..» [2] ، ولا محل للتعريف بأبي العباس لو تناول المؤلف تاريخ الخلفاء العباسيين. هذا إلى أن إضافة قائمة بأسماء الخلفاء العباسيين، وهي متأخرة، تؤكد أن المؤلف لم يتناول الخلفاء. ويبدو أن النسابين الأولين، مثل ابن الكلبي، لم يتناولوا الخلفاء العباسيين في كتاباتهم، فابن الكلبي يقف في «جمهرة النسب» عند أولاد علي بن عبد الله ولا يتناول أولاد محمد بن علي [3] ، وباثنين منهم بدأت الخلافة العباسية، وهذا يجعل وقوف
पृष्ठ 12
مخطوطنا- وهو موضوع في إطار كتب الأنساب- عند نهاية الدعوة أمرا مألوفا . وحين نفحص القسم الأخير من مخطوطنا (ص 189 ب- 202 ب) نراه يبدأ في ص 189 ب، بالبسملة، وأول عنوان يصادفنا هو «جود إبراهيم الإمام» ، وهو عنوان مكرر ولا صلة له بالمحتوى، ويتبعه بمقتل إبراهيم الإمام، وولده، ووصيته لأبي العباس وسير هذا ببعض أهله إلى الكوفة.
وهذا يشير إلى أن القسم الأخير هو إضافة إلى المسودة الأولى للكتاب تتم أخبار إبراهيم الإمام حتى نهايته.
وهكذا فإننا نرجح أن المخطوط تام في آخره ولم يسقط منه شيء.
5-
إن فقد الأوراق الأولى من المخطوط حرمنا كما يبدو من اسم المؤلف.
ولكن دراسة أسلوب الكتاب ومصادره تدل على أنه كتب في أواسط القرن الثالث الهجري. فهو في الأساس كتاب أخبار يعنى بإيراد الأسانيد ويلتفت إلى اختلاف الروايات. ومع أنه يراعي تسلسل النسب في إطاره إلا أنه لم يحافظ بدقة على خط كتب الأنساب، إذ إنه لا يعنى إلا بالابن الأكبر.
كما أن الاهتمام الخاص بالإسناد يبين الأثر الواضح لمدرسة أهل الحديث في الأسلوب.
وتتنوع مصادر معلومات الكتاب حسب طبيعة الموضوع، وتدل على جهد واسع في جمع الروايات. فقد أخذ المؤلف جل معلوماته عن الدعوة من روايات شفوية [1] ، وأخذ من مؤرخين سابقين ومعاصرين، وانفرد بإيراد وثائق ومعلومات هامة.
أخذ مؤلف «الأخبار» عن مؤلفين معروفين سبقوه- من إخباريين، مثل أبي مخنف (ت، 157 ه/ 774 م) ، وعوانة بن الحكم (ت، 147 ه/
पृष्ठ 13
819 م) ، والهيثم بن عدي (ت، 206- 7 ه/ 821- 2 م) ، والمدائني (ت، 235 ه/ 850 م) ، وعن مؤرخين كالواقدي (ت، 207 ه/ 823 م) ونسابين مثل هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت، 204- 206 ه/ 819- 821 م) ، ومصعب الزبيري (ت، 235 ه/ 850 م) وغيرهم مثل محمد بن سلام (ت، 231 ه/ 845 م) . واتصل بمعاصرين وأخذ عنهم مثل محمد بن شبة (ت، 262 ه/ 875 م) والعباس بن محمد الدوري (ت، 271 ه/ 881 م) ، والمبرد (ت، 285 ه/ 898 م) ، ومحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (ت، 279 ه/ 293 م) . وقد أخذ روايات المعاصرين بأسانيدها، وخير مثل لذلك ما رواه عن البلاذري فهو يعطي رواياته بإسناد متصل، ولذا تختلف سلسلة الإسناد أحيانا عما جاء في كتاب أنساب الأشراف للبلاذري [1] ، أو يعطي إسنادا حين لا يوجد إسناد في رواية أنساب الأشراف [2] ، أو يورد نصا يختلف لحد ما عن النص الوارد في أنساب الأشراف [3] مما يدل على أنه روى عنه مباشرة.
وانفرد المؤلف بمعلومات عن بداية الدعوة (حتى سنة 100 ه) ، وعن بعض أحداثها وأسرارها، كما أورد قوائم مفصلة بأسماء النقباء والدعاة في خراسان ومراتبهم وتنظيماتهم. ويبدو أنه أخذها من الحلقات الداخلية لرجال الدعوة، إذا استقى الكثير منها من رؤساء الدعوة ومن الدعاة البارزين فيها، مثل سالم الأعمى عن ميسرة النبال [4] وبكير بن ماهان، وموسى السراج،
पृष्ठ 14
وأبي مسلم الخراساني، وإبراهيم بن سلمة [1] . والظاهر أن أخباره عن نشاط أبي مسلم في خراسان وعن نشاط المسودة العسكري بقيادة قحطبة وانتصاراتهم، تعتمد على هذه المصادر وعلى أناس متصلين بالحلقة العباسية مثل أبي إسحاق بن الفضل الهاشمي [2] ، كما أخذ بعض معلوماته عن أفراد من الأسرة العباسية مثل عيسى بن عبد الله وعيسى بن موسى وعيسى بن علي وإبراهيم بن المهدي والرشيد [3] .
وأعطى المؤلف صورة داخلية لطبيعة الدعوة وأحاديثها، وكشف عن جذور الغلو فيها، مما لا يناسب العباسيين بعد مجيئهم للحكم، وهذا يجعل بعض محتويات الكتاب أقرب إلى الوثيقة السرية منها إلى كتاب للجمهور.
وكل هذا يشير إلى صلة خاصة للمؤلف بالعباسيين وبأتباعهم، وهو أمر يذكرنا بما جاء في مقدمة القسم الثاني من «تاريخ الخلفاء» ، حيث يوضح المؤلف صلة الولاء التي تربطه بالعباسيين، وهي خير صلة للاطلاع على الروايات والأخبار العباسية المباشرة.
6-
إن مصادر كتابنا هذا، تجعلنا نحدد زمن تأليفه بأواسط القرن الثالث الهجري. وحين ننظر إلى من كتب عن الدولة العباسية في هذا القرن [4] ، فإننا نميل إلى نسبة الكتاب إلى محمد بن صالح بن مهران «ابن النطاح» (ت، 252 ه/ 868 م) [5] . ومع أن الإشارات إلى ابن النطاح تجعله أول من صنف كتابا في
पृष्ठ 15
أخبار الدولة [1] ، فإن هذا فيه نظر إذا تذكرنا كتاب الدولة للمدائني [2] وكتاب الدولة للحسن بن ميمون النصري، خاصة وإن ابن النديم يذكر أن ابن النطاح روى عن الحسن هذا [3] ، وربما كانت أهمية كتاب ابن النطاح سببا لهذه الإشارات [4] .
ويدفعنا إلى هذا الافتراض عدة أمور. فابن النطاح مولى جعفر بن سليمان ابن علي بن عبد الله بن عباس، وهذا الولاء يجعله على صلة وثيقة بأخبار العباسيين [5] ، ويذكرنا بما جاء في مقدمة القسم الثاني من تاريخ الخلفاء. وكان «ابن النطاح» إخباريا، ناسبا، راوية للسنن» ، وهي عين المؤهلات التي يكشف عنها أسلوب «أخبار العباس وولده» [6] . وكان بين من روى عنهم ابن النطاح الواقدي والمدائني [7] . هذا إلى أن عنوان كتابه هو «أخبار الدولة العباسية» [8] وهو ما نراه عنوان كتابنا هذا.
ومع ذلك يتعذر البت في الموضوع، فنحن لم نجد معلومات عن أحفاد يحيى بن وثاب لنرى إن كان لابن النطاح صلة نسب به. كما أننا لا نجد إشارة
पृष्ठ 16
إلى هذا الكتاب في المؤلفات التالية، مع أننا نرى بعض الشبه أحيانا. فابن أبي الحديد يورد معلومات تماثل ما أورده كتابنا دون أن يذكر مصدره [1] .
والذهبي يورد نص عبارة كتابنا عن صلة أبي هاشم بمحمد بن علي [2] . وقد عثرنا على إشارتين في التواريخ لابن النطاح. فالطبري روى عنه رواية أسطورية عن بناء بغداد [3] . والأزدي ينسب إليه رواية عن أصل أبي مسلم [4] ولكنها لا ترد في كتابنا. أما الأخبار الكثيرة الواردة في الأغاني برواية ابن النطاح [5] فهي أدبية ولا تتصل بموضوع الكتاب هذا، ومع ذلك فإن أبا الفرج الأصفهاني لا يشير إلى أي من مؤلفات ابن النطاح [6] ، ولعل ابن النطاح روى أخبارا كثيرة خارج نطاق هذه المؤلفات.
7-
إن ميول المؤلف عباسية واضحة، ولكن الكتاب لا يمثل النظرة العباسية في فترة كتابته، بل يعطي النظرة العباسية في الفترة الأولى لدولتهم وخاصة ما قبل أيام المهدي. وربما كان هذا سبب إغفال الحديث عن خداش الداعية العباسي الذي يمثل خط الغلو في خراسان، والتوسع في أخبار تنكر محمد بن علي العباسي له بعد مقتله وجهوده في معالجة إثارة المربكة في خراسان.
وقد يقال إن المؤلف أشار إلى التغيير الذي أحدثه المهدي وهو نسبة الإمامة العباسية إلى العباس بن عبد المطلب والتخلي عن نسبتها إلى العهد من أبي هاشم كما كان الحال قبله، ولكنها إشارة عابرة. كما أن المؤلف نسب للعباس التبكير في
पृष्ठ 17
اعتناق الإسلام، فاعتبر البداية في بيعة العقبة، وظهور إسلامه بعد بدر [1] ، ولكنه- كما يبدو من المختصر- لا يورد من الحجج التي عرضت زمن المنصور والمهدي في تأكيد أفضلية العباس وجدارته للإمامة إلا إشارة عابرة إلى أنه عم النبي وصنو أبيه [2] . إننا نرى التأكيد في الكتاب على عبد الله بن العباس، وعلى تبشيره بانتقال الملك لأولاده، إلا أن الصورة القوية له هي في ظهوره بمظهر ممثل الهاشميين، يؤكد حقهم في الإمامة، ويعرض هذا الحق بجرأة واندفاع، في محاورات طويلة مع الأمويين من جهة ومع الزبيريين من جهة أخرى. وهذه النبرة الهاشمية (مقابل العباسية فيما بعد) تظهر في قول ينسب للرسول في جماعة آل البيت وبحضور العباس يتنبأ فيه بانتقال الملك إلى العباسيين ويوصي «اتقوا الله في عترتي أهل بيتي» [3] .
8-
نخلص مما مر إلى أن عنوان الكتاب الذي ننشره هو «أخبار الدولة العباسية» ، وإن كلمة «دولة» هنا تعني «دعوة» أو «دور» . وينتسب المؤلف إلى العباسيين بالولاء وهذا مكنه من الاطلاع على أخبار الدعوة العباسية وأسرارها من رجالات الدعوة ومن بعض العباسيين، فانفرد بمعلومات ووثائق هامة. وقد كتب الكتاب في أواسط القرن الثالث الهجري، في عصر ظهور المؤرخين الكبار وتوفر روايات وأخبار تاريخية واسعة، مما مكن المؤلف من التوسع في أخبار الدعوة. ومع أنه كتاب «أخبار» إلا أنه وضع في إطار النسب، واعتنى بالإسناد نتيجة توسع أثر مدرسة الحديث.
وقد اقتصر الكتاب على أخبار الدعوة العباسية، وعرض وجهة العباسيين أثناء الدعوة والفترة العباسية الأولى، وانتهى قبيل قيام الدولة العباسية. ثم
पृष्ठ 18
إن أسلوب الكتاب وفترة تأليفه وطبيعة أخباره من جهة، وما لدينا من معلومات عن محمد بن صالح بن مهران «ابن النطاح» من جهة أخرى، تجعلنا نميل إلى أن الكتاب لابن النطاح.
9-
ولقد هدفنا إلى ضبط نص الكتاب، ولكن الاعتماد على مخطوط واحد يجعل التحقيق غاية في الصعوبة، خاصة حين يكون الناسخ ضعيفا كما هو حال ناسخ مخطوطنا. لذا رجعنا إلى تاريخ الخلفاء، إذ إن القسم الثاني منه بمثابة نص ثان لبعض أقسام «أخبار العباس وولده» ، ومع ذلك يبقى القسم الأكبر من النص معتمدا على مخطوطنا وحده. وهذا الوضع تطلب الرجوع إلى المصادر الأولية بحثا عن الروايات والأخبار والأشعار الواردة فيها والتي جاءت في هذا الكتاب لتقويم النص أو للتنبيه إلى الاختلاف في نص رواية جاءت في الحالين عن نفس الراوي. إلا أننا في الوقت ذاته لم نرد أن نثقل الكتاب بالإضافات الكثيرة واكتفينا، في بعض الأحيان، بالإشارة إلى الروايات في مظانها دون إيراد النصوص.
إن «أخبار العباس وولده» يمثل جهدا مبكرا وأصيلا في جمع الروايات والأخبار عن الدعوة العباسية كما يتبين من المصادر الواسعة لمعلوماته. ثم إن عنايته بالإسناد، وقيمة مصادره، وغنى معلوماته وخطورتها، تضعه في منزلة خاصة بين مؤرخي الدعوة العباسية إضافة إلى أنه أوسع مصدر عنها.
ويسرنا هنا أن نعرب عن شكرنا للأستاذ الدكتور إحسان عباس على ملاحظاته القيمة في التحقيق، وللأستاذ الدكتور إبراهيم السامرائي على ملاحظات مفيدة في تدقيق بعض الكلمات.
पृष्ठ 19
لقد استعملنا رموزا قليلة وهي:
ن. م. نفس المصدر.
كتاب التاريخ تاريخ الخلفاء، باعتناء غريازنيويج، موسكو 1967 الأخبار أخبار العباس وولده.
ما بين قوسين كهذه للإضافات التي يتطلبها سياق الخبر.
ما بين قوسين كهذه [] للإضافات من مصدر آخر يروي نفس الخبر.
هذا ووضعنا أرقام صفحات المخطوط بين قوسين [] لتيسير الرجوع إليها.
عبد العزيز الدوري الجامعة الأردنية، حزيران 1970
पृष्ठ 20
موت العباس بن عبد المطلب [1] رضي الله عنه
[3 ب] قال: دخل عثمان على العباس في مرضه الذي مات فيه فقال:
أوصني بما ينفعني به، وزودني، فقال: الزم ثلاث خصال [2] تصب بها ثلاث عوام، فالخواص: ترك مصانعة الناس في الحق، وسلامة القلب، وحفظ اللسان، تصب بها سرور الرعية، وسلامة الدين، ورضى الرب.
محمد بن عمر [3] قال: حدثنا يحيى بن العلاء عن عبد المجيد بن سهيل، عن نملة بن أبي نملة عن أبيه قال: لما مات العباس بن عبد المطلب بعثت بنو هاشم مؤذنا يؤذن أهل العوالي: رحم الله من شهد العباس، قال:
فحشد الناس ونزلوا من العوالي.
محمد [4] بن عمر قال: حدثني ابن أبي سبرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن دويس [5] عن عبد الرحمن بن يزيد بن حارثة، قال: جاءنا مؤذن يؤذننا [6] بموت
पृष्ठ 21
العباس بن عبد المطلب بقباء [1] على حمار، ثم جاءنا آخر على حمار، فقلت:
من الأول؟ فقال: مولى لبني هاشم، والثاني رسول عثمان بن عفان، فاستقرى [2] قرى الأنصار قرية قرية حتى انتهى إلى السافلة [3] . فقلت وأتينا [4] بني حارثة وما والاها، فحشد الناس فما غادرنا [5] النساء، فلما أتي به إلى موضع الجنائز تضايق، فتقدموا [6] إلى البقيع، فقلت [7] ليتقدموا، فصلينا عليه بالبقيع، وما رأيت مثل ذلك [[4] أ] الخروج على أحد من الناس قط وما يستطيع أحد من الناس [أن] [8] يدنو إلى سريره وغلب عليه بنو هاشم، فلما انتهوا إلى اللحد ازدحموا عليه، فأرى عثمان اعتزل، وبعث الشرط يضربون الناس عن بني هاشم، حتى خلص بنو هاشم، وكانوا هم الذين نزلوا في حفرته ودلوه في اللحد، ولقد رأيت على سريره برد حبرة قد تقطع من زحامهم.
محمد بن [9] عمر قال: حدثتني عبيدة بنت نائل [10] عن عائشة بنت سعد قالت: جاءنا رسول عثمان ونحن بقصرنا على عشرة أميال من المدينة،
पृष्ठ 22
أن العباس قد توفي، فنزل أبي ونزل سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، ونزل أبو هريرة من الشجرة [1] ، قالت [2] عائشة: فجاءنا أبي بعد ذلك بيوم فقال: ما قدرنا أن ندنو من سريره من كثرة الناس، غلبنا عليه، لقد كنت أحب حمله.
محمد بن [3] عمر قال: حدثني يعقوب بن محمد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن الحارث بن عبد الله بن كعب عن أم عمارة قالت: حضرنا- نساء الأنصار- طرا جنازة العباس، وكنا أول من بكى عليه، ومعنا المهاجرات الأول والمبايعات.
محمد [4] بن عمر قال: حدثنا ابن أبي سبرة عن عباس بن عبد الله بن معبد [5] قال: لما مات العباس أرسل إليهم عثمان: إن رأيتم أحضر غسله فعلتم، فأذنوا له فحضر ، [4 ب] وكان جالسا ناحية من البيت، وغسله علي بن أبي طالب وعبد الله وعبيد الله وقثم بنو العباس، وحدت [6] نساء بني هاشم سنة.
محمد بن عمر قال [7] : حدثني ابن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن
पृष्ठ 23
عيسى بن طلحة قال: رأيت عثمان يكبر على العباس بالبقيع، وما يقدر من لغط [1] الناس، ولقد بلغ الناس الحشان [2] ، وما تخلف أحد من الرجال والنساء والصبيان.
محمد بن [3] عمر قال: أخبرنا خالد بن القاسم البياضي، قال: أخبرني شعبة مولى ابن عباس، [قال: سمعت ابن عباس] [4] يقول: كان العباس معتدل القامة [5] وكان يخبرنا عن عبد المطلب أنه مات وهو أعدل قناة منه [6] .
وتوفي العباس يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من رجب سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان بن عفان وهو ابن ثمان وثمانين سنة ودفن بالبقيع في مقبرة بني هاشم، رضي الله عنه [7] .
पृष्ठ 24
أخبار عبد الله بن العباس [1] ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له
كان عبد الله يكنى أبا العباس. ولد في الشعب [2] قبل خروج بني هاشم منه، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين [3] ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن العباس ابن ثلاث عشرة سنة [4] .
سفيان بن عيينة [5 أ] عن عبد الله بن يزيد قال: سمعت ابن عباس يقول: أنا ممن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضعفة أهله مع الثقل من مزدلفة إلى منى [5] . ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم أعطه الحكمة، وعلمه التأويل، ورأى جبريل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عسى ألا تموت حتى تؤتى علما ويذهب بصرك [6] . وكان عمر يأذن له مع المهاجرين ويسأله ويقول: غص غواص،
पृष्ठ 25
وكان [1] إذا رآه مقبلا قال: أتاكم فتى الكهول، له لسان سئول، وقلب عقول.
أبو صالح عن ابن عباس قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح رأسي من مقدمه حتى انتهى إلى قدمي، ثم مسح ذؤابتي حتى انتهى إلى عقبي، ودعا لي بالإيمان والحكمة فقال: اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم [2] ، فقال المسور بن مخرمة الزهري [3] في تصديق ذلك:
أدنى النبي ابن عباس وقال له ... قولا فقدس فيه الأهل والولد
والعلم والسلم كانا رأس دعوته ... ما مثل هذا بما يرجى له أحد
وقبلها دعوة كانت مباركة ... ثم الظهور بما فيهم وما ولدوا
كم دعوة سبقت فيهم مباركة ... فيها افتخار وفيها يكثر العدد
[5 ب] سليمان بن حرب عن حماد بن سلمة قال: حدثنا عبد الله ابن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كنت في بيت خالتي ميمونة [4] فوضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طهورا فقال: من وضع هذا؟
قالت ميمونة: عبد الله، قال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل [5] .
पृष्ठ 26