يَزيِدُ عَلَى فَضْلِ الرِّجالِ فَضِيلَةً ... وَيَقْصُرُ عَنْهُ مَدْحُ مَنْ يَتَمَدَّحُ
فقال له: أنت تحسن قائلًا وراويًا ومتمثلًا، فلما خرج تبعته، فقلت: أمل على هذه الأبيات، فقال: هي لأبي الجويرية العبدي يقولها للجنيد بن عبد الرحمن فأخرجتها من شعره.
وفاة أبي تمام
ومبلغ سِنِّه
حدثني محمد بن خلفٍ قال، حدثني هرون بن محمد بن عبد الملك قال: لما مات أبو تمام قال الواثق لأبي: قد غمني موت الطائي الشاعر، فقال: طيئ بأجمعها فداء أمير المؤمنين والناس طرًا؛ ولو جاز أن يتأخر ميت عن أجله، ثم سمع هذا من أمير المؤمنين لما مات!.
حدثني محمد بن موسى قال: عني الحسن بن وهبٍ بأبي تمام، وكان يكتب لمحمد بن عبد الملك الزيات، فولاه بريد الموصل فأقام بها سنةً، ومات في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين ومائتين، ودفن بالموصل.
حدثني عون بن محمد الكندي قال: قرأت على أبي تمام شيئًا من شعره في سنة سبعٍ وعشرين ومائتين، وسمعته يقول: مولدي سنة تسعين ومائةٍ. قال: وأخبرني مخلد الموصلي أن أبا تمام مات بالموصل، في المحرم سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.
حدثني أبو سليمان النابلسي قال، قال تمام بن أبي تمامٍ: مولد أبي سنة ثمانٍ وثمانين ومائةٍ، ومات في سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
مراثي أبي تمام
أنشدني أبو الغوث لأبيه، يرثي أبا تمامٍ ودعبلًا:
قَدْ زَادَ في كلَفيِ وَأَوْقَدَ لَوْعَتي ... مَثْوَى حَبيِبٍ يَوْمَ ماتَ وَدِعْبِلِ
وَبَقَاءُ ضَرْب الخْثَعمِيِّ وَشِبْههِ ... مِنْ كلِّ مُضْطَرِبِ القَريحِةَ مُهْمِلِ
أَهْلُ المعَانِي المستْحَيِلِةِ إنْ هُمُ ... طَلَبُوا البَدَاعَةَ وَالكَلاَمِ المُعْضِلِ
أَخَوَىَّ، لاَ تَزَلِ السَّمَاءُ مُخِيَلةً ... تَغْشَاكُمَا بِحَيًا مُقِيمٍ مُسْبِلِ
جَدَث عَلَى الأَهْوَازِ يَبْعُدُ دُونَهُ ... مَسْرَى النَّعِيِّ وَرِمَّةٌ بِالموْصِلِ
ورثاه الحسن بن وهبٍ فقال:
سَقَتْ بالموْصِلِ القَبْرَ الغَريبَا ... سُحَائِبُ يَنْتَحبْنَ لَهُ نَحيبَا
إذَا أَطْلَعْنَهُ أَطْلَقْنَ فيِهِ ... شَعِيبَ المُزْنِ مُنْبَعِقًا شَعِيبَا
وَلَطَّمتِ البُرُوقُ لَهَا خُدُودًا ... وَشَقَّقَتِ الرُّعُودُ لَهَا جُيُوبَا
فإِنّ تُرابَ ذَاكَ الْقَبْرِ يَحْوِي ... حَبيبًا كَانَ يُدْعَى ليِ حَبيِبَا
ظَرِيفًا شَاعِرًا فَطِنًا لَبيِبًا ... أَصِيلَ الَّرأْيِ في الْجُلَّى أَرِيبَا
إِذَا شَاهَدْتَه رَوَّاكَ ممَّا ... يَسُرُّكَ رِقَّة مِنْهُ وَطِيبَا
أَبَا تَمَّامٍ الطّائيَّ، إِنَّا ... لَقِينَا بَعْدَكَ العَجَبَ العَجِيبَا
فَقَدْنَا مِنْكَ عِلْقًا لاَ تَرَانَا ... نُصِيبُ لَهُ مَدَى الدُّنْيَا ضَرِيبَا
وَكُنْتَ أَخًا لنَا تُدْنِي إِلَيْنَا ... صَمِيمُ الوُدِّ وَالنَّسَبَ القَرِيبَا
وَكانَتْ مَذْحِجٌ تُطْوَى عَلَيْنَا ... جَمِيعًا ثُمَّ تَنْشُرُنَا شُعُوبَا
فَلَمَّا بِنْتَ نَكَّرَتِ اللّيَالِي ... قَرِيبَ الدَّارِ وَالأَقْصَى الْغَريبَا
وَأبْدَي الدَّهْرُ أَقْبَحَ صَفْحَتَيِهْ ... وَوَجْهًا كالِحًا جَهمًْا قَطُوبَا
فأَحْرِ بأَنْ يَطيبَ المَوْتُ فيهِ ... وَأَحْرِ بِعيشَةٍ ألاَّ تَطِيبَا
وقال علي بن الجهم يرثيه:
غَاضَتْ بدَائِعُ فِطْنَةِ الأَوْهَامِ ... وَعَدَتْ عليْهَا نَكْبَةُ الأيَّامِ
وَغَدَا القَريِضُ ضَئِيلَ شَخْصٍ بَاكِيًا ... يَشْكُو رَزيَّتَهُ إلى الأَقْلاَمِ
وَتَأَوَّهَتْ غُرَرُ الَقوَافيِ بَعْدَهُ ... وَرَمَى الزَّمَان صَحِيحَهَا بِسَقَامِ
أَوْدَى مُثَقِّفُهَا وَرَائِضُ صَعْبِهَا ... وَغَديِرُ رَوْضَتهَا أَبُو تَمَّامِ
1 / 42