فإن تبدلت بآدي آدا ... لم يك يناد فأمسي انآدا
فقد رآني أصل القعادا
فقلت له: ما معنى القعاد؟ فقال: النساء. فقلت: هذا خطأ إنهما يقال في جمع النساء: القواعد كما قال الله تعالى: (والقواعد من النساء) . ويقال في جمع الرجال: القعاد كما يقال: راكب وركاب، وضارب وضراب فانقطع. وكان سبيله أن يحتج علي فيقول: قد يحمل بعض الجموع على بعض، فيحمل جمع المؤنث على المذكر، والمذكر على المؤنث عند الحاجة إلى ذلك كما قالوا في المذكر " هالك في الهوالك، وفارس وفوارس " فجمع كما يجمع المؤنث، وكما قال القطامي في المؤنث: البسيط
أبصارُهُنَّ إلى الشبّان مائلة ... وقد أراهنّ عنّي غير صداد
اخبرنا اليزيدي قال اخبرنا عمي الفضل بن محمد عن أبي محمد ابن المبارك اليزيدي قال: كنا ليلة ببلد مع المهدى في شهر رمضان قبل أن يستخلف بأربعة أشهر فتذكروا ليلة عنده النحو والعربية، وكنت متصلا بخالد ابن يزيد بن منصور، والكسائي مع ولد الحسن الحاجب، فبعث إلي والي الكسائي فصرت إلى الدار فإذا الكسائي بالباب قد سبقني فقال لي: أعوذ بالله من شرك يا أبا محمد، فقلت له: لا تؤتي من قبلي أو أوتي من قبلك. فلما دخلنا على المهدى أقبل علي فقال: كيف نسبوا إلى البحرين فقالوا بحراني، وإلى الحصنين فقالوا حصني، هلا قالوا حصناني كما قالوا بحراني؟ فقلت: أيها الأمير، لو قالوا في النسب إلى البحرين بحري لالتبس فلم يدر النسبة إلى البحرين وقعت أم إلى البحر؟ فزادوا ألفا للفرق بينهما، كما قالوا في النسب إلى الروح روحاني، ولم يكن لحصنين شيء يلتبس به فقالوا حصني على القياس. فسمعت الكسائي يقول لعمر بن نوح: لو سألني الأمير عنها لأجبته بأحسن من هذه العلة. فقلت: أصلح الله الأمير أن هذا يزعم أنك لو سألته لأجاب بأحسن مني. قال: فقد سألته فقال: أصلح الله الأمير كرهوا أن يقولوا حصاني فيجمعوا بين نونين ولم يكن في البحرين إلا نون واحدة، فقالوا بحراني لذلك. قلت: كيف تنسب إلى رجل من بني جنان إن لزممت قياسك؟ قلت: جني فجمعت بينه وبين المنسوب إلى الجن، وان قلت جناني رجعت عن نهيك وجمعت بين ثلاث نونات.
ثم تفاوضنا الكلام إلى أن قلت له: كيف تقول: إن من خير القوم وأفضلهم أو خيرهم بتة زيد؟ فأطرق مفكرا وأطال الفكر، فقلت: أصلح الله الأمير لأن يجيب فيخطئ فيتعلم أحسمن من هذه المقالة. فقال: إن من خير القوم وأفضلهم أو خيرهم بتة زيدا. فقلت أخطأ أيها الأمير. قال: وكيف ترفعه قبل أن تأتي باسم أن ونصبه بعد الرفع وهو لا يجيزه أحد؟ فقات شيبة بن الوليد متعصبا له: لعله أراد بأو بل. فقلت: هذا لعمري معنى. فلقنه الكسائي فقال: ما أردت غيره. فقلت له: أخطأتما جميعا لأنه غير جائز أن من خير القوم وأفضلهم بل خيرهم زيدا. فقال المهدي يا كسائي ما مر بك مثل اليوم، قال: فكيف الصواب عندك؟ فقلت: أن من خير القوم وأفضلهم أو خيرهم بتة زيد، على معنى تكرير أن. فقال المهدي: قد اختلفتما وأنتما عدلان فمن يفصل بينكما؟ قلت: فصحاء الأعراب المطبوعون. فبعث إلى أبي المطوق فعملت أبياتا إلى أن يجيء. وكان المهدى يميل إلى أخواله من اليمن فقلت: المنسرح
يا أيها السائلي لأخبره ... عمن بصنعاء من ذوى الحسب
حمير ساداتها تقر بها ... أفضل طرا جماهر العرب
فإن من خيرهم وأفضلهم ... أو خيرهم بتة أبو كرب
فلما جاء أبو المطوق أنشدته الأبيات وسألته عن المسألة فوافقني: الخفيف
عش بجد ولا يضرك نوك ... إنما عيش من ترى بالجدود
عش بجد وكن هبنقة القيسي ... جهلا أو شيبة بن الوليد
شيب يا شيب يا هني بني القعقاع ما أنت بالحليم الرشيد
لا ولا فيك خصلة من خصال ... الخير أحرزتها بحلم وجود
غير ما أنك المجيد لتحبير ... غناء بضرب دف وعود
فعلى ذا وذاك تحتمل الدهر ... مجيدا به وغير مجيد
1 / 18