قال :إن الشيطان للإنسان عدو مبين، وإنه يرصدكم عند كل عمل وقول. وقد علمكم الله الذي ترجى به النجاة من وساوسه فقال : { من شر الوسواس الخناس" (¬1) وذلك أنه يوسوس في قلب ابن آدم بخطرات لو جرى معها لأفسد عليه دينه ودنياه نغص عليه العيش وكدر له الأمور وخلط عليه. فكثرة الذكر لله به يخنس الشيطان، لأن ابن آدم إذا اهتم بخير وذكر الله ودعاه مخلصا سطع نور ذلك في قلبه. فإذا سطع نور ذلك خنس الشيطان وهرب، لأنه إنما يوسوس مع الغفلة، وإنما اليقظة والإنتباه والحذر، بذلك يخنس الشيطان ولا يطمع. قال الله تعالى : { إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } (¬2) فالرجل إذا دخل في الوضوء فإنما ضميره ونيته أن لو تم ذلك كما أمر، وكذلك إذا دخل في الصلاة فنيته وضميره تمامها. فإذا عارضه الشيطان بعدما فرغ بخطرات يشكك عليه فعله ويلبس عليه أمره فليمض على ما استيقن عليه أمره ويلقي عن نفسه ما أدخل عليه الشيطان من الشك. ولو كان في إعادته الوضوء والصلاة رشدا لم يحمله على ذلك بل كان يحسن عليه فعله، ألا ترى إلى قول المسلمين فيمن أحس من نفسه خروج الريح أنه إذا لم يسمع صوتا أو يجد ريحا أنه يمضي على وضوئه أو صلاته إذا لم يكن على يقين من تقصيره. ألا ترى أن الحدود تدرأ بالشبهات إذا لم يكن الأمر مجردا مشهورا. وما كان الله ليعذب على أمر قد أبهمه ولم يبينه اعتبر ذلك بقول ابن عباس : كل ما شككت حتى لا تشك (¬3) .
पृष्ठ 56