فأجابت: إن القوة العمياء التي فرقتنا بالأمس ستفرقنا اليوم. القوة الخرساء التي تتخذ الشرائع البشرية ترجمانا عنها قد بنت بأيدي عبيد الحياة حاجزا منيعا بيني وبينك، القوة التي أوجدت الشياطين وأقامتهم أولياء على أرواح الناس قد حتمت علي أن لا أخرج من ذلك المنزل المبني من العظام والجماجم.
فسألتها قائلا: هل علم زوجك باجتماعاتنا فصرت تخشين غضبه وانتقامه؟
فأجابت: إن زوجي لا يحفل بي ولا يدري كيف أصرف أيامي؛ فهو مشغول عني بأولئك الصبايا المسكينات اللواتي تقودهن الفاقة إلى أسواق النخاسين فيتعطرن ويكتحلن ليبعن أجسادهن بالخبز المعجون بالدماء والدموع.
فقلت: إذا ماذا يصدك عن المجيء إلى هذا المعبد والجلوس بجانبي أمام هيبة الله وأشباح الأجيال؟ هل مللت النظر إلى خفايا نفسي فطلبت روحك الوداع والتفريق؟
فأجابت والدمع يراود أجفانها: لا يا حبيبي. إن روحي لم تطلب فراقك لأنك شطرها، ولا ملت عيناي النظر إليك لأنك نورهما. ولكن إذا كان القضاء قد حكم علي أن أسير على عقبات الحياة مثقلة بالقيود وبالسلاسل، فهل أرضى أن يكون نصيبك من القضاء مثل نصيبي؟
فقلت: تكلمي يا سلمى وأخبريني عن كل شيء، ولا تتركيني ضائعا بين هذه المعميات.
فأجابت: لا أقدر أن أقول كل شيء؛ لأن اللسان الذي أخرسته الأوجاع لا يتكلم، والشفاه التي ختم عليها اليأس لا تتحرك، وكل ما أقدر أن أقوله لك هو أني أخاف عليك من الوقوع في شرك الذين نصبوا لي الحبائل واصطادوني.
فقلت: ماذا تعنين يا سلمى؟ ومن هم الذين تخافين علي منهم؟
فسترت وجهها بيدها وتأوهت ملتاعة ثم قالت مترددة: إن المطران بولس غالب قد صار يعلم بأنني أخرج مرة في الشهر من القبر الذي وضعني فيه.
فقلت: وهل علم المطران بأنك تلتقين بي في هذا المكان؟
अज्ञात पृष्ठ