أما بعد: فإنه وصل إلينا كتاب جليل من علماء مهابط التنزيل، ومعارك ميكائيل وجبريل، السيد الجليل عبد الله بن عباس، ورفقائه التسعة العلماء الأكياس، أفرغ الله عليهم غياث التسليم، وأوضح بحميد سعيهم الصراط المستقيم، وصرف عنهم كل شيطان رجيم، ونزههم عن خدمة ضمير كل جبار أثيم، ووفقهم إلى مطابقة مراده ومراد سلطان الإسلام، حامي حمى الدين القويم، متضمنا للنصيحة، معرفا بما دهم الإسلام من تكالب ذرى الملل القبيحة، ملوحا بما لم يكن من مراده من حاد الله ورسوله، معرفا بما هو المعروف من حق قدر سلطان الإسلام أيد الله به الدين، ونصره على الكفرة والمشركين. فنقول: الحمد لله الذي أثار حفيظة حفاظ شريعته لإصلاح ما أفسده ذوو الضلال من أحوال عبيده وخليقته ، فيا لها من نعمة ما أجلها، ومن غاية ما أكملها وأجملها. والحمد لله الذي قبض لنا من يفهم الخطاب، ويعرف الخطأ من الصواب، ويدرك مدارك الأحكام، ويحكم الشرع الذي ارتضاه لنا الملك العلام. وهانحن نقدم نفثة مصدور وزفرة محرور.
اعلموا حماكم الله أن الله وله الحمد اختار لنا دينا قويما وهو أشرف الأديان، فبعث به سيد الرسل، سيد ولد عدنان، وأكمل لنا ذلكم الدين فقال { اليوم أكملت لكم دينكم } ثم قبض الله رسوله إليه وقد أوضح المنهج وأزال العوج، فما زال الإسلام ينمو ويرتفع، والضلال ينقص ويتضع. وكان كلما حدثت بدعة أزيلت، أو مظلمة ارتفعت، حتى تولى ذوو الملك المضوض، فتناقص ذلك التمام، وتكاثر الفساد من عام إلى عام، واختلفت على الدين الولاة، ومدت الأجانب أعناقها لابتلاع الإسلام حماه الله. وظهرت الفحشاء والمنكر، وكان ما كان من مغلوب وغالب، ومكن الله لدولة العثمانية من الحماية للدين، وحفظ حوزته من الكفرة المعتدين.
وكانت بلاد اليمن بيد أسلافنا من الآل الأكرمين من المائة الثالثة إلى التاريخ. ولم ينفك قائم الحق عنها إما متوليا لجميعها أو بعضها كما هو المعروف في تواريخ اليمن. وكانت المعارك مستمرة بين أسلافنا وبين من ناوأهم لرغبة أهل اليمن في ولاية سادتهم وأولاد نبيهم عليهم واعتقادهم وجوب توليتهم ونصرتهم لما يعرفونه من أحوالهم، وأن لا إرادة لهم غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المخوف. وإقامة الشريعة، وتعديل المايل، وإرشاد الجاهل، وتقريب المؤمنين، وإبعاد الظالمين.
पृष्ठ 135