वायलिन वादक के दुःख
أحزان عازف الكمان
शैलियों
وتدخل الصديق الجليل الذي حفر الألم والسخط على وجهه علامات بارزة: تجارة حقيرة، حتى الدم يتاجرون فيه، والضحية من؟ رجل لا يزيد معاشه على المائتين والخمسين جنيها. أي ثمن الدم الذي يحتاجه ابنه الوحيد في اليوم الواحد.
تكلم زميل يعمل أستاذا على المعاش في جامعة إقليمية: لو كان مثقفا عصريا ما وجد مشكلة، كان من الممكن ... وكان من الممكن ...
ضرب الصديق الجليل منصة البار بيده فمالت كأسه على جنبها وكانت لحسن الحظ قد أفرغها قبل ذلك في جرعة واحدة: ملعون أبو الثقافة والمثقفين ونحن وأنا أولكم، والله هذا كفر، كفر وجنون وجحيم.
تساءل محقق المخطوطات أملا في تهدئته: الظاهر يا دكتور أنه صديق أو قريب عزيز.
قال الصديق الجليل محاولا أن يخرج عن الصمت الذي خيم عليه وعلى الجميع لحظات طويلة ولم يجد بدا من اللجوء إليه بعد أن لم يبق أمامه غيره: بل زميل من أيام الابتدائي والثانوي، باع كل ما يملك وضحى بكل شيء، أي والله بكل شيء في سبيل البلد الذي يقتله هو وابنه الوحيد. الثقافة؟ لعنة الله عليها إذا لم يكن وراءها إلا الموت والجوع.
رنت ضحكة الشاعر الخفيف الدم: وأحيانا يكون وراءها الكراسي والمناصب والنجومية والرقصات الجديدة على البطون والرءوس في الزفات الميري التي تنصب خيامها في كل مكان.
تدخل رب الدار ووجه دفة الحديث إلى موضوعات أخرى، وبدأ بسؤالي عن أحوال الإعارة فلم تلبث سيول الشكوى أن تدفقت من شفاه صديقين آخرين، وشعرت أن الكهف قد رجع إلى طبيعته، وأن المرايا بدأت تملأ الحوائط أمامي ووراء ظهري ومن حولي، وانطلق أكثر من واحد يتكلم عن عمله الأدبي الجديد؛ فيثني عليه واحد وينتقده آخر ويعتذر ثالث عن عدم الاطلاع عليه مع وعد أكيد وحازم كالقسم بقراءته في أول فرصة تسنح له.
وقبل أن ننسى أنفسنا في السباحة فوق بحور الإبداع والغرق في هموم النشر وتياراته السفلية والتحليق بأجنحة الخيال السعيد أو الخيال المحبط إلى سموات الأحلام الخاصة والعامة، يضع الصديق الجليل يده على كتفي وهو يقول: أنت في سكتي، تعال أوصلك.
3
وهما في الطريق إلى حيهما البعيد في الشمال الأقصى من العاصمة راح يتطلع للوجه الصارم النبيل الذي ذكره فجأة بوجه بطل إغريقي أو مصارع روماني قديم التف حول جسده ثعبان ضخم جعله يتلوى من الألم الفظيع ولكنه يتحمله بقوة خارقة ولا تند عنه إلا آهة مكتومة خرجت من بين شفتيه ولم يستطع الحجر نفسه أن يمنعها من الانطلاق في الفضاء كصيحة نسر عظيم، وتأمل الشعر الأبيض الذي يتوج الرأس الجليل وهو يتعجب كيف تستقر القمة الثلجية فوق بركان يغلي ويفور وسرعان ما يتفجر بالحمم النارية: هذه البلد لا تقتل إلا أبناءها المخلصين.
अज्ञात पृष्ठ