वायलिन वादक के दुःख
أحزان عازف الكمان
शैलियों
قالت ابتسامته الذاهلة وهو يحاذر النظر إلى وجه الألماسة ويوجه كلامه للفحمة وهي وحدها الموجودة في الخلاء: وما المانع أن يكون شاعرا وأستاذا في وقت واحد؟
ردت صبرية محتدة: يكون كما يشاء، المهم أننا لا نعرف شيئا عن هذا الوعاء الملعون. تشجع ورفع عينيه إلى الوجه المتألق المشع الذي حرم من شعاع واحد منه، وخفض بصره بسرعة وهو يسأل نفسه كيف احتفظ في هذا العالم المزعج بوجه رضيع هادئ، كيف استطاع وسط المستنقع أن يكون نبع براءة صافية؟ ثم تشجع أكثر وفك لجام خجله الريفي المزمن وقال وهو يشير بإصبعه للوجه المتفحم كمن يهدد بخطر عظيم: يمكنني أن أدعوكما إلى فنجان شاي أو قهوة على حسابي ... في الكافتيريا أو في الحديقة.
ردت الفحمة مع الألماسة: الكافتيريا الآن رائقة، المهم على حسابنا نحن.
قال مسرعا: قلتها كلمة وكلمة الرجل لا تنزل الأرض، والأفضل أن نجلس في الحديقة لنعيش في جو القصيدة.
مشيا في دفء شمس العصر الشتوية إلى الحديقة التي لم يكن يفصلها عن مبنى الكلية والقسم سوى الشارع العريض الذي تفرش أرضه ظلال الأشجار الضخمة العريضة الأوراق التي برزت أطراف جذورها المتلوية البيضاء من شقوق الأسفلت، وسرعان ما جلسوا إلى مائدة نظيفة ورحب بهما النادل الشاب الذي بان على وجهه الملل والهم من قلة الزبائن. غاب عنهم لحظات ليضع الصينية وعليها الأكواب والفناجين فوق المائدة التي غير مفرشها أيضا بمفرش أبيض منقوش بزهور بنية وصفراء، وها هو يرى الآن تفاصيل المشهد كما عاشه في ذلك الزمن البعيد وكأنه لا يزال جالسا على الكرسي الطري المصنوع من القش والجريد، وأمامه الفحمة والألماسة تشعان عليه نورا يتداخل فيه الليل مع الفجر، وشلال الكلام يندفع من فمه رائقا متموجا ومتدفقا بالشروح الطويلة لقصيدة كيتس المشهورة التي كان قد قرأها قبل ذلك ودرسها وجربها أيضا كأي رومانسي عتيق. لنقرأ السطور الأولى التي يخاطب بها الشاعر ذلك الوعاء الإغريقي الرائع البسيط قبل أن نتجه للنحت البارز المنقوش عليه:
أنت يا عروس السكون التي لم يمسسها أحد
يا من تبناها الصمت والزمان الوئيد،
يا راوية الغابة، يا من تستطيعين أن تحكي
قصة مزهرة وأكثر عذوبة من أشعارنا.
ربما تسألان أية قصة مزهرة تفوق عذوبة أشعار الشاعر، مع أنها قصة تتكون من صور لا من حروف وكلمات، ومن نقوش ثبتها الفنان على جانبي الوعاء المزهري لا من أصوات وأنغام وإيقاعات تتآلف منها معان ورؤى وأفكار. تخيلوا معي هذا الوعاء العجيب:
अज्ञात पृष्ठ