أما زكريا فتنكر وركب حمارا حتى إذا بعد عن الفسطاط ركب زورقا قصد به إلى «طاء النمل»، وإنما اختار الزورق لسرعة جريه مع تيار النيل. فلما أشرف على القرية لبس ثيابه واتجه إلى بيت المعلم مرقس كأنه قادم من قبله في مهمة خاصة. وكان إذا دخل المنزل لا يجسر أحد من أهله أن يسأله عما يريد لانطلاق يده في شئون البيت. فلقيه الخدم والنساء، فسألوه عن المعلم مرقس فأخبرهم بأنه مقيم بالفسطاط يقضي مع دميانة أياما، ثم دخل غرفة يعرفها وأغلق بابها وفتح صندوقا أخرج منه أنبوبا من الفضة مختوما هزه حتى تحقق مما في داخله ثم خبأه في جيبه وخرج.
ومر بيت أبي الحسن، فوجده خارجا من منزله ليتمشى في الحديقة على جاري عادته. وآنس في وجهه انقباضا فعلم سبب انقباضه، ولم يكن يشك أنه كان في جملة الذين شهدوا الاحتفال بالأمس، وأنه شاهد ما أصاب سعيد وهو يعلم أنه بمنزلة ولده، فتقدم نحوه فلما رآه أبو الحسن تحول إليه، فتقدم زكريا وهم بتقبيل يده فمنعه ورحب به وسأله إذا كان مولاه قد أتى معه، فقال: «كلا يا سيدي إنه لا يزال في الفسطاط أظنك كنت هناك.»
فهز أبو الحسن رأسه بمرارة، وقال: «نعم كنت هناك وقد رجعت أمس.»
قال: «هل شاهدت ما أصاب سعيدا؟»
قال: «نعم شاهدت ذلك المنظر المؤلم. ولكنهم سوف يندمون.»
ففرح زكريا بتلك البشرى؛ لعلمه أن أبا الحسن لا يلقي القول جزافا فقال: «صحيح؟ بشرك الله بالخير.»
قال: «نعم إنهم سيندمون؛ لأنهم لا يجدون من يغنيهم عن سعيد؛ إذ ليس في هذه البلاد من يضارعه معرفة بالهندسة.»
قال: «ولكنهم ساقوه إلى السجن.»
قال: «ليس السجن عارا على الرجال إنهم لا يلبثون أن يخرجوه معززا مكرما.»
قال: «وكيف ذلك، ومتى؟»
अज्ञात पृष्ठ