قال: «لا أرى ذلك؛ فإن أهله يعرفونك، فأخاف أن ينقلوا خبرك إلى الأسقف المعهود أو أبيك أو إسطفانوس فيسعون في ضررنا، والأوفق أن تنزلا في كنيسة بابلون إلى أن آتيكما.»
كشف السر
كان زكريا عقب سجنه قد أرسل إلى سعيد يطلب منه أن يوافيه لأمر ذي بال، فلما جاءه أطلعه على ما وقع له، وأنه وضع الكتاب الذي جاء به من البطريرك إلى ملك النوبة مع الأسطوانة في مدخل باب الهرم الكبير، وأن لهذه الأسطوانة شأنا مهما يختص بدميانة، فأجمعا أمرهما على أن يستأذن له سعيد السجان ليذهب سرا إلى الهرم، فيأتي بالأسطوانة ويودعها عند سعيد ويرجع إلى السجن، وتم ذلك بما لسعيد من النفوذ في الدولة، وعاد زكريا بوديعته من الهرم وقصد إلى منزل سعيد رأسا بعد توديعه دميانة وسمعان، فدخل عليه فوجده في انتظاره وقد استبطأه فأخذ يسأله عن السبب في الإبطاء وزكريا يتلعثم ولا يعرف كيف يبدأ الحديث لفرط لهفته، وكان السرور باديا في حركاته وسكناته، وقد ذهبت الغمة التي كانت تغلبت عليه، فلم يكد يأخذ مقعده حتى ابتدره سعيد وقال: «لقد أبطأت وأنت تعلم أني ضمنت للسجان رجوعك عند العشاء، وها قد انتصف الليل، ولا يخفى عليك أن الشكوك محيطة بنا من كل ناحية.»
وكان زكريا يسمع ويضحك كأنه لا يبالي ما يحدق به من الخطر، فاستغرب سعيد استخفافه فقال: «ما بالك تستخف بما أقول؟ هل أسكرك عثورك على الأسطوانة؟»
قال: «لا، لا، ليس الأسطوانة بل دميانة ...»
فأجفل وصاح فيه: «دميانة! دميانة! ماذا تعني؟ ما بالها؟ أين هي؟»
قال: «دميانة هنا.»
فلم يتمالك أن وقف فجأة وصرخ: «دميانة هنا؟ أين؟ أين هي؟» وهم بالخروج من الغرفة وهو يحسب دميانة في الدار، فاستوقفه زكريا وقال: «ليست في المنزل هنا، وإنما هي في البلد، هي قريبة جدا من هذا المكان، دعنا منها الآن.»
فنظر إليه، وأخذ يحدق في وجهه - وقد ظنه يمزح - وقال: «قل الصحيح يا زكريا، أين دميانة؟»
قال: «قلت لك إنها قريبة من هذا المكان، ولكن لا سبيل إليها الآن، ولا تلبث أن تأتي.»
अज्ञात पृष्ठ