فغضب مرقس وقال: «أتخاطبني بهذه القحة وأنت خادمي؟»
قال: «حاش لله أن أكون كذلك. إنما أنا خادم تلك الفتاة الطاهرة أو الملاك الأرضي. أنا خادم دميانة وعبدها إكراما لوالدتها المسكينة وطوعا لصاحبة الأمر. ولولا العهد الذي قطعته بالثبات في خدمتها لتركتها فرارا من عشرة أبيها الظالم.»
فحمي غضب مرقس وقال: «أنا ظالم؟»
قال: «ألا تعرف نفسك؟ هل تجهل ما صنعته بابنتك التي تزعم أنك نقمت علي في سبيل الدفاع عن نفعها؟ ألا تعلم من الذي أضاع حقها؟»
فاستاء مرقس من هذا التعريض، وفهم مراد زكريا لكنه تجاهل توصلا إلى مرغوبه، فقال: «أراك تهذي بكلام لا معنى له. أتعلم لماذا ساقوك إلى هذا المكان وبعد قليل يحملونك إلى السجن المظلم وتسلم لابن طولون؟ أتعلم لماذا؟»
فسكت زكريا ولم يجب، فعاد مرقس يقول: «أنا أعلم. لقد ساقوك إلى هنا؛ لأنك سرقت منزل سيدك وأخذت منه التحف والجواهر وفررت بها. ولأنك أيضا تساعد البطريرك ميخائيل على تواطئه مع النوبة للقيام على المسلمين.»
فلما سمع زكريا قوله هز كتفيه، وظل مطرقا لا يظهر اهتماما، فاستغرب مرقس ذلك منه، وقال: «يظهر أنك لم تدرك مقدار ما يهددك من الخطر لهذه التهم. وأنا - مع عظم إساءتك لي - لا أزال أميل إلى الرفق بك إكراما للخبز والملح. وعلى هذا أوصيت الجند بأن يأتوا بك إلى هنا قبل حملك إلى ابن طولون لعلي أستطيع إنقاذك. واعلم أن نجاتك في يدي، إذا شئت سلمتك إلى الشرطة. وأنا ميال إلى إطلاق سراحك إذا ندمت على ما فرط منك وسلمت إلي ما أخذته من منزلي. ليس كل ما أخذته. فأنا أكتفي منك بالأسطوانة؛ فإن فيها أوراقا تهمني ولا فائدة لك منها فإذا أطعتني وسمعت نصيحتي نجوت لساعتك وإلا فإني أسلمك إلى قضاء ابن طولون وأنت تعلم عاقبة ذلك.»
فقال: «أنا لم أعمل عملا أندم عليه، وأما الأسطوانة فلا علم لي بها، كما أني لم أسرق شيئا ولا أنا ممن يطمعون في الأموال؛ إذ ليس لها قيمة عندي، فليس لي ولد أورثه وأيامي أصبحت قصيرة لا تستحق حشد الأموال، ولا مطمع لي في ملاذ الدنيا وشهواتها مثل غيري.»
فقطع مرقس كلامه قائلا: «ما لنا وللأموال؟ إني أكتفي بالأسطوانة التي فيها الأوراق. هاتها ولك الأمان.»
قال: «من أين آتي بها؟ ليس عندي أسطوانات ولا أوراق.»
अज्ञात पृष्ठ