अहमद कुराबी ज़ाचिम मुफ़्तारा कालयहि
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
शैलियों
وغني عن البيان ما تكشف عنه عبارته الأخيرة مما يريد به أن يمحو أثر اعترافه بقومية حركة عرابي، فهذا المؤرخ الإنجليزي الذي كان من أكبر أساطين الاحتلال لا يستطيع إلا أن يمحو بشماله ما أثبته بيمينه ...
ما كان عرابي طائشا ولا داعية فوضى، ولكن كان زعيما مخلصا يعمل بوحي من وطنيته ويصيب ويخطئ كما يصيب الزعماء غيره ويخطئون كل على قدر ما اجتمع له من الكفاية والمقدرة!
والخطأ والصواب من خصائص البشر ومردهما إلى العقل وسعته أو ضيقه، أما الصدق والإخلاص وما إليهما من صفات الزعامة والبطولة فلا تسامح فيها ولا تهاون، بل لا يصح أن تكون هذه أمورا يجوز فيها التفاوت إذا عقدت المقارنة بين زعيم وزعيم وبين بطل وبطل! وكيف يجوز في عقل أن يكون هناك صدق ونصف صدق وإخلاص ونصف إخلاص؟ إن هذه أمور جلالها وجمالها بل وجوهرها في أن تكون غير قابلة لزيادة أو نقص. وعلى الذين لا يزالون يخاصمون عرابيا أن يأتوا بدليل واحد على كذبه أو مروقه، أما الخطأ والصواب فليقولوا فيهما ما يشاءون، وليس ما نعنى به خطأ عرابي أو صوابه فليخطئ عرابي أو فليصب، ولكن لو أنه كما زعم خصومه كان مدعيا أو مداجيا ولو في موقف واحد من مواقف حياته السياسية ما استطعنا أن نكتب عنه كلمة واحدة ...
ومع ذلك فبيننا وبين خصوم هذا الرجل حوادث هذه الثورة الوطنية على قدر ما علمنا من أمرها، وهي كفيلة بأن ترينا مبلغ ما في مزاعمهم من خطأ ...
أماني الصلح
لم يكن جهد أحمد عرابي منحصرا في المطالبة بالدستور، بل كانت تنطوي نفسه على كثير من الأماني التي يتوق إلى أن يراها حقائق ماثلة أمامه.
كانت تخالج نفسه منذ صلته بسعيد باشا رغبات في الإصلاح مبعثها تعصبه لقوميته ذلك التعصب المحمود الذي انبعث في نفسه مما كان يراه من حرمان بني قومه في وطنهم من كل ما يشعرهم بالعزة والكرامة، بينما يتمتع بالسيادة أجلاف من الشراكسة، لم يكن لهم من حق في هذه البلاد إلا أنهم بقية هؤلاء المماليك الذين اشتروا أول أمرهم كما تشترى السلع في الأسواق!
وكان يفطن هذا الجندي الثائر أو هذا الوطني الصادق العقيدة إلى أن الإصلاح المنشود، ينبغي أن يأتي من الأعماق فيبدأ بهؤلاء الفلاحين الذين هم عصب القومية المصرية، فمتى صلح حال هؤلاء واستشعروا في وطنهم الكرامة والعزة، قامت القومية المصرية على أساس وطيد، ومضت مصر قدما في طريق الرقي والمجد، وعزت على الطامعين والكائدين ...
وكانت أماني هذا الرجل تظهر في خطبه التي يلقيها في شتى المناسبات، فكان كثير الإشارة إلى القضاء على الاستبداد والعناية بالعلم والمعرفة. ولكن شيئا أشبه بخطة موضوعة يتبين في حديث له مع صديقه الإنجليزي مستر بلنت، ونحب أن يتدبر من يحبون عرابيا، ومن لا يزالون يكرهونه في هذا الحديث، ففيه جانب شخصية هذا الرجل الذي مسخ البهتان والعدوان شخصيته، وما كان الإنجليز - لعمر الحق - يرضون أن يكون عرابي داعية إصلاح وزعيم قومية، ويكونون هم من قضوا عليه تحقيقا لمآربهم الاستعمارية ثم يدعون مع ذلك أنهم جاءوا لإصلاح مصر والقضاء فيها على عوامل الفوضى ... لذلك عملوا على إنكار كل معنى من معاني الجد والنهوض في تاريخه، وتعمدوا أن ينظروا إليه نظرة الرجل المدل بحكمته وتجربته إلى الطفل الذي يدعي لنفسه ما ليس له. ومن أدلة ذلك أن الجهل والغرور في مقدمة الصفات التي ينعته بها كتاب الاحتلال، وإنهم ليعلمون بينهم وبين أنفسهم أن همة هذا الرجل وجرأته وما كان يبتغي لقومه من ضروب الإصلاح جديرة بأن تجعل منه زعيما أنجبته مصر، كما تنجب الأمم الزعماء، وأن تلك الصفات في أحمد عرابي المصري الفلاح لن تختلف في جوهرها عما يعزى من صفات إلى أبطال الوطنية والقومية في غير مصر من أمم الأرض.
قال بلنت بعد كلام طويل جاء في صدد شرائه حديقة الشيخ عبيد بين المرج والمطرية، ولنعد إلى زيارتي التوديعية لعرابي قبل سفري. ففي هذه المناسبة تناولنا بالحديث جميع المسائل التي كانت تدور فيها المناقشات وقتئذ بين رجال الحركة القومية والتي كانت تتضمن خططهم في سبيل الإصلاح وآمالهم ومخاوفهم في الداخل والخارج.
अज्ञात पृष्ठ