अहमद कुराबी ज़ाचिम मुफ़्तारा कालयहि
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
शैलियों
ولما عدت إلى مالت وسألني عما صنعت قلت له: إنه لا يرجى الصلح الآن؛ فإن المذكرة قد ألقت بهم بين ذراعي السلطان.»
هذا كلام بلنت ومنه نتبين مبلغ غضب عرابي من هذه المذكرة، كما أننا نفهم جانبا مما كان يجيش في نفس هذا الزعيم الثائر، فهو لن يجبن، ولكنه لن يبدأ بالعدوان، وهو يلمح نيات إنجلترا في هذه المذكرة، وما كان عرابي مسرفا في تصوير نيات الإنجليز، فلسوف نرى أن جرانفل كان في ذلك الوقت قد وطد العزم على التدخل بالقوة ...
عاد عرابي إلى الميدان، وفي الناس من تبلغ بهم الغفلة إلى حد أن يأخذوا عليه هذه العودة، وفيهم من يذهبون في اتباع أهوائهم إلى أن يجعلوا ذلك من أكبر خطيئاته، قائلين في مثل منطق البلهاء، إن كان ثمة للبلهاء منطق: إنه بعودته هذه قد ساق البلاد إلى ما سيقت إليه من دمار، كأن على كل رجل إذا رأى كرامته تداس وشرفه يهان أن يقف مكتوف اليدين وإلا ساق نفسه إذا غضب إلى الدمار. إلا أن الرجولة خلاف ذلك، فالرجل الذي يجد نفسه في موطن الإهانة لا سبيل له يمسك بها رجولته إلا أن يدافع عن نفسه أنفة وحفاظا ولو أيقن أنه هالك.
ومن المؤلم المثير حقا أن يقول هؤلاء الناس هذا الكلام، دون أن ينظروا في موقف الخديو وموقف الإنجليز على نحو ما بينا، وهم لا يدركون من المسألة كلها إلا أن عرابيا كان رجلا ذا أطماع شخصية لا يدري ماذا يفعل، وكلما هدأت البلاد لا يفتأ يعمل بنزقه على إثارتها ليصل إلى تحقيق أطماعه. إلى آخر هذه النغمة الباردة المرذولة التي ألقى بها الاحتلال في أذهان الأطفال ...
وأحسب الآن بعد الذي رأينا من موقف أعداء البلاد أن هذا الكلام قد أصبح خليقا بأن يخجل منه قائلوه، وإنا لنكاد نقطع منذ الآن أنهم بعد أن نفرغ من سيرة هذا الزعيم المفترى عليه على نحو ما نبين من أوجه الحق لن يعودوا إلى مثل هذا الكلام، فسبيلنا - كما يرون - في إقناعهم الحجة نستخلصها من الحوادث في عدالة يفرضها الحق، وفي عطف يوجبه الإنصاف ... •••
تعهد عرابي ألا يتدخل في شؤون الحكومة، فكان إذعانه لهذا أمرا لابد منه. ولو أنه رفضه لكان في ذلك مخطئا أشد الخطأ، ولكن عرابيا لم يتعهد أن يدع وطنه وشأنه، لا تهزه بعد يوم عابدين نحوه عاطفة أو يحركه لنجدته ما عسى أن يلم بقضيته من الأحداث، ولم يكن ليستطيع عرابي أن يتعهد بمثل هذا، ولن يستطيع ذلك غير عرابي من الناس، ولو أنه فعل ذلك لأجرم في حق هذا الوطن جريمة ما كان ليغفرها له التاريخ ...
وكيف يفعل ذلك عرابي أو أي رجل غيره ولا يكون بذلك مجرما مفرطا في حق وطنه؟ وأي فرق بين مثل هذا التعهد وبين المروق والخيانة والجمود في أوضح صورها وأقبحها؟ ...
إلا إنه للحق كل الحق أن يطلب إلى بني الوطن ألا يتدخلوا في أعمال الحكومة، ولكن على شرط ألا يكون من تلك الأعمال نفسها ما يحفز الناس إلى التدخل أو يوجبه عليهم ... أما أن تفرط الحكومة في حق الوطن، وأما أن توضع العقبات في سبيل قضيته، ثم يطلب إلى الناس بعد ذلك أن يدعوا الحكومة وشأنها، فهذا هو الباطل في أرذل صوره وأشدها فجورا، ومن أطاع ذلك من الناس فقد ضل في حق بلاده ضلالا بعيدا ...
لن يكون لقيام الحكومات من مبرر إلا العمل لخير المحكومين وصلاح أمرهم، على هذا الأساس ولدت الديمقراطية، وبهذا المبدأ اقترنت الحرية، ولكم نادى بذلك القادة ودعاة الإنسانية في الغرب منذ هدموا صروح الظلم وحطموا أغلال الماضي، وفصموا سلاسل الرجعية والعبودية ... •••
وما لنا نستشهد بالغرب وهذه الحكومة الإسلامية الأولى التي ولدت في الصحراء قد جعلت تلك المبادئ أساس قيامها، وما أروع وأجمل أن يقول الخليفة الأول للناس: «أيها الناس إني وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن صدفت فقوموني.» وأن يقول لهم الخليفة الثاني: «من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه.» فيرد عليه أعرابي من أوزاع الناس بقوله: «لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا.» وأبلغ وأروع من قول أبي بكر وعمر قول الرسول الكريم: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده.»
अज्ञात पृष्ठ