अहमद कुराबी ज़ाचिम मुफ़्तारा कालयहि
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
शैलियों
ولا تسل عما أحدثته هذه المذكرة الحمقاء من سوء الأثر في مصر، لقد بلغ من إثارتها الشعور وإحراجها الصدور أن نقم عليها مالت وكلفن وتمنيا لو لم تكن! وقد كانا يريدان ألا تكون بمثل هذه الصراحة الطائشة.
وكانت النتيجة الطبيعية أن انضم المعتدلون من رجال الحركة الوطنية إلى العسكريين، وهو على خلاف ما كانت تنتظره الدولتان في غباء مضحك أو في غفلة لا ندري كيف وقعا فيها، إلا أن تكونا أرادتا إيقاظ الفتنة، وهو خير ما يفسر هذا الذي نحار فيه.
رأى عنصرا الأمة، الرجعية المسلحة ... بل رأوا الغدر الأثيم يتهدد قضيتهم، وانبعثت الصيحات من كل مكان أن إنجلترا ألقت بنفسها في أحضان فرنسا، وأن فرنسا تريد أن تصنع بمصر ما صنعته بتونس، ولذلك يجب الاتجاه إلى السلطان والمناداة بمبدأ الجامعة الإسلامية لمقاومة هذه الحركة الأثيمة ...
وعظم سخط المصريين جميعا حين علموا أن الخديو قد قبل هذه المذكرة، ولم يكتف بهذا القبول المشين، فكتب إلى القنصلين يشكر حكومتيهما على ما تبديان من عطف نحوه، وفي هذا دليل صريح على أن الخديو آثر الانحياز إلى جانب الدولتين، ونسي موضعه من السلطان، ولم يعبأ بما يجد في مصر من الغضب على مسلكه ...
وضاع كل أمل في تهدئة الخواطر، فأصر مجلس شورى النواب على موقفه في وجوب نظر الميزانية، ورأى شريف في المجلس إجماعا ضده وحماسة ما رأى مثلها من قبل، ولقد رغب جرانفل في ملاينة الأعضاء في هذه المسألة كأنما يريد أن يعالج بعض خطئه، ولكن جمبتا رفض ذلك بحجة أنه يسقط هيبة الحكومتين أمام الوطنيين! وما أعجب أمر هذا الرجل الذي يرى أن الهيبة تكتسب بالحماقة!
على أن جرانفل ما لبث أن شايع جمبتا في حماقته؛ فلقد كتب إليه مالت يقول
5 «إن المجلس باق وسيظل باقيا ما لم يحل بالقوة، وهذا أمر لا يكون إلا بالتدخل الذي هو آخر سهم في كناتنا، والذي لا يسوغه أبدا ما قد يكون من خرق قانون التصفية ... إني أعترف أني أفضل أن يعطى المجلس ما يطلبه من الحق وألا نتدخل حتى يسيء استعمال هذا الحق ... ويجب ألا ننسى أن الأمة المصرية قد أخذت تسلك طريق الحكم النيابي خيرا كان ذلك أو شرا، وأن قانون المجلس الأساسي هو صك حريتها ...»
هذا ما ذكره مالت نفسه، ولكن جرانفل لم يعبأ به، وأرسل إلى جمبتا ينبئه بموافقة الحكومة الإنجليزية على آرائه، ونسي جرانفل أو تناسى أنه كتب إلى مالت قبل ذلك بنحو شهرين يقول له مشيرا إلى حرية المصريين الوليدة: «إن الحكومة الإنجليزية إذا ما رغبت في نقص تلك الحرية أو العبث بتلك النظم التي يرجع وجودها إليها فإنها تتبع سنة تخالف تقاليد تاريخها الوطني ... ليس من شيء يحملنا على سلوك خطة أخرى غير قيام حالة فوضوية في مصر.»
فليت شعري ما الذي حدث في مصر حتى تخالف إنجلترا على هذه الصورة أجمل تقاليد تاريخها الوطني؟ إلا أنها السياسة التي لا تتورع عن شيء ولا تستحي من شيء، وليتدبر في هذا الموقف من لا يزالون في هذا الشرق يتحدثون عن الضمير البريطاني والشرف البريطاني ...
حاول شريف أن يحصل على مذكرة تفسيرية يستعين بها على تسكين الخواطر، فرفض جمبتا حتى هذه المذكرة، وعاد جرانفل فشايعه في هذا مشايعة عمياء على الرغم من نصح الناصحين من الإنجليز والوطنيين ...
अज्ञात पृष्ठ