अहमद कुराबी ज़ाचिम मुफ़्तारा कालयहि
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
शैलियों
الفلاح الزعيم
أدى حادث قصر النيل وانتصار عرابي وزميليه على هذه الصورة التي وصفنا إلى ذيوع صيت عرابي على نحو لم يسبق لفلاح قبله في مصر منذ قرون، فما يذكر تاريخ مصر منذ أن منيت بالفتح والقهر أن قام من بنيها رجل من أعماق القرى فتمرد على ما يعتقد أنه ظلم يحيق به وببني جنسه، كما تمرد واجترأ هذا الفلاح فأبعد من الوزارة شركسيا قوي الشوكة، وأملى رغبته على رئيس الحكومة بل وعلى الخديو إملاء ونال بغيته غلابا، ولم يك بالذي يغفل عما كان عسيا أن يؤدي إليه صنيعه هذا من هلاك ...
والحق أن هذا العمل يومذاك كان بالغ الجرأة، فقد كان المصريون يدينون بالطاعة للخديو ويهابون سلطانه وجاهه، ويرون فيه سيدا وضعه الخليفة حيث كان ليطاع ولتعنو له الوجوه، وما كان يتصور أحد أن يذهب إلى مقر سلطانه رجل نشأ في قرية ومن ورائه جند فلاحون مثله فيقولون له: نحن نريد ونحن نطلب ثم يظفرون بما أرادوا وينقلبون لم يمسسهم العذاب الأليم.
وسرعان ما دار اسم ذلك الفلاح الثائر الظافر على كل لسان في القاهرة، وسمع بذلك الاسم من لم يسمع به من قبل من الأجانب ومن لم يكن يعرفه من المصريين ...
ولم يقف الأمر عند القاهرة، فقد رن هذا الاسم في القرى وتغلغل في أعماقها؛ فأفاق على رنينه أولئك الأعيان والشيوخ الذين تعودوا منذ القدم أن يخضعوا خضوعا مطلقا للأتراك والشراكسة الذين كانوا ينظرون إلى الفلاحين جميعا مهما يكن من ثراء بعضهم نظرتهم إلى دوابهم، والذين كرههم الفلاحون بقدر ما خافوهم، ولكنهم لم يجدوا من الإذعان لهم من بد ...
عجب أولئك الفلاحون أن يجرؤ رجل منهم على تحدي الخديو والرؤساء الشراكسة، فتعلقوا بهذا الرجل ولم يروه، ورغب الكثيرون منهم في رؤيته، فقدموا إلى القاهرة يحملون إليه الهدايا ويعربون له عن محبتهم إياه وإعجابهم بمبادئه التي كان قوامها إنصاف الفلاحين في الجيش، وراح عرابي يخطبهم شاكرا إياهم باثا فيهم روح الحرية والإباء.
وليت شعري ماذا تكون الزعامة إذا لم تكن هذه زعامة؟ ألسنا نرى الآن في عرابي شخصيتين: شخصية الجندي الذي يسير بمطالب الجند على رأس الجند، ثم شخصية الفلاح الزعيم الذي بدأ الفلاحون به يرفعون رؤوسهم وقد خفضوها أجيالا طويلة؟ ألا إني لألمس في تلك الصحوة فجر عصر جديد للقومية المصرية، كان عرابي أول مؤذن به، ألمس ذلك الفجر الذي سوف ينبلج صباحه بعد قليل على صيحة أخرى كانت صدى لهذه الصيحة هتف بها فلاح آخر برز من القرى كما برز عرابي، وذلك هو سعد ابن مصر العظيم وأحد أبطالها ومفخرة رجالها ...
ولئن كان جمال قد أيقظ الغافين في المدن، فإن عرابيا قد بعث بإقدامه أهل القرى من مراقدهم، فإن عمله هذا أوحى إليهم أنه من الممكن أن يخرج من بينهم من يشمخ بأنفه على أولئك الذين طالما استذلوا في مصر الرقاب ...
ولقي عرابي - وقد أصبح في رأي الناس حامي الأمة من المظالم - تأييدا من العلماء الذين أعجبوا بجرأته وحميته.
ولم يبلغ عرابي هذه المكانة في نفوس الناس بعلم اشتهر به أو فلسفة عمل على تمكينها في النفوس، أو آراء في الإصلاح والنهوض عمل على إذاعتها في الناس كما فعل جمال الدين وكما فعل من بعده تلميذه محمد عبده، وإنما بلغ عرابي ما بلغه من الصيت بحميته وغيرته، ثم بصلابة عوده وجرأته، وكانت تلك الخلال هي أخص ما يطلب يومذاك، حيث كان يحيط بالناس البطش والتخويف، ويقعد بهم الذل والخوف.
अज्ञात पृष्ठ