مرر لولو أصابعه في شعري وفحص الجرح بهدوء. ثم قال في النهاية قبل أن يعود إلى عمله: «إنه لا ينزف.»
ظننت بذلك أن الموضوع قد انتهى. ولكن عندما عاد إلى المنزل من العمل في اليوم التالي، كان معه زوجان من قفازات الملاكمة. وكانت لهما رائحة الجلد الجديد، الزوج الأكبر كان أسود اللون وكان الأصغر أحمر، وأربطتهما معقودة، وملقيان على كتفه.
انتهى لولو من عقد الرباط في قفازي وتراجع إلى الخلف ليرى نتيجة عمله. تدلت يداي إلى جانبي مثل مصابيح تتدلى في طرف سلك رفيع. فهز رأسه ورفع القفازين ليغطيا وجهي.
قال لولو: «أبق يديك مرفوعتين لأعلى.» وأخذ يضبط وضع مرفقي وتراجع ليتخذ وقفة مناسبة وبدأ يتحرك في مكانه. وقال: «عليك أن تستمر في التحرك، ولكن اخفض رأسك لأسفل دائما، لا تمنحهم هدفا يضربونه. بماذا تشعر؟» أومأت برأسي وأنا أقلده بقدر ما أستطيع. وبعد بضع دقائق، توقف ورفع راحة يده في مواجهة أنفي.
وقال: «حسنا. دعنا نر ضربتك.»
هذا شيء أعرف كيف أقوم به. فتراجعت خطوة للخلف، وشحذت قواي وسددت أفضل ضربة لدي. وتمايلت يده بالكاد.
فقال لولو: «ليس سيئا.» وأومأ لنفسه ولم تتغير تعبيرات وجهه. وتابع: «ليس سيئا على الإطلاق. لكن انظر أين يداك الآن. ماذا قلت لك؟ ارفعهما لأعلى ...»
رفعت ذراعي وسددت ضربات خفيفة لراحة يد لولو وأنا ألقي نظرة عليه على نحو متكرر وأدركت إلى أي مدى أصبح وجهه مألوفا لي بعد سنتين معا، مألوفا بالضبط كالأرض التي كنا نقف عليها. استغرقت أقل من ستة شهور كي أتعلم اللغة الإندونيسية والعادات والأساطير فيها. وتعرضت للإصابة بالجديري المائي والحصبة وتعافيت منهما، وتذوقت لسعة عصي المدرسين المصنوعة من الخيزران. وأصبح أقرب أصدقائي هم أبناء الفلاحين والخدم والموظفين الحكوميين العاملين بوظائف قليلة الأهمية، وكنا نركض في الشوارع مساء وصباحا، ونقوم بأعمال غريبة؛ فنمسك بصراصير الليل، ونحارب الطيارات الورقية بأسلاك حادة كالأمواس، وكان الخاسر يرى طائرته الورقية وهي تحلق بعيدا مع الرياح، ويعرف أنه في مكان ما هناك أطفال آخرون كونوا صفا يتحرك من جانب لآخر على نحو غير مستقر، ورءوسهم تتجه إلى السماء منتظرين أن تهبط عليهم جائزتهم. ومع لولو تعلمت كيف آكل الفلفل الأخضر الصغير نيئا على العشاء (مع كثير من الأرز)، وبعيدا عن مائدة العشاء، جربت لحم الكلاب (صعب المضغ)، ولحم الثعابين (أصعب) والجراد المشوي (مقرمش). وعلى غرار معظم الإندونيسيين، تبع لولو فرقة من الإسلام يمكن أن تتسع معتقداتها لتشمل بقايا العقائد القديمة الأكثر روحانية والهندوسية. وكان يرى أن الرجل يستمد قوته مما يأكله، ووعدني أنه سيحضر لنا قريبا قطعة من لحم نمر لنأكلها معا.
هكذا كانت تسير الأمور، مغامرة واحدة طويلة، إثراء لحياة صبي صغير. وفي خطابات لجدي كنت أسجل بصدق الكثير من هذه الأحداث، وأنا واثق بأن طرودا من الشيكولاتة وزبدة الفول السوداني الأكثر رقيا ستتبع هذه الخطابات. لكن لم تكن الخطابات تحمل كل ما أمر به؛ فبعض الأشياء وجدت أنه من الصعب تفسيرها. فلم أخبر جدي عن وجه الرجل الذي جاء يطرق بابنا في أحد الأيام وفي وجهه حفرة عميقة في المكان الذي من المفترض أن يكون فيه أنفه، وصوت الصفير الذي صدر منه وهو يسأل أمي بعض الطعام. ولم أذكر لهما أيضا تلك المرة التي أخبرني فيها أحد زملائي في منتصف فسحة اليوم الدراسي أن شقيقه الرضيع توفي الليلة السابقة بسبب روح شريرة جلبتها الرياح، والرعب الذي تراقص في عيني صديقي لوهلة قبل أن يطلق ضحكة غريبة ويلكمني في ذراعي ويطلق ساقيه للريح. ولم أذكر تلك النظرة الخاوية التي ارتسمت على وجوه الفلاحين في العام الذي لم تهطل فيه الأمطار قط، وانحناء أكتافهم وهم يتجولون حفاة في الحقول القاحلة المتشققة وينحنون كثيرا ليفتتوا التربة الزراعية بين أصابعهم، ولم أكتب عن إحباطهم العام التالي عندما هطلت الأمطار دون توقف لما يزيد عن شهر، مما أدى إلى ارتفاع منسوب المياه في النهر والحقول حتى إن المياه كانت تتدفق في الشوارع وقد وصلت إلى مستوى خصري، والعائلات تتزاحم لإنقاذ ما يملكون من الماعز والدجاج حتى بعد أن جرفت المياه أجزاء من أكواخهم.
عرفت أن العالم عنيف، ولا يمكن توقع ما سيحدث فيه وغالبا ما يكون قاسيا. ورأيت أن جدي لا يعرفان شيئا عن مثل هذا العالم، ولم يكن هناك مغزى من إزعاجهما بأسئلة لا يستطيعان الإجابة عنها. وفي بعض الأحيان، عندما كانت أمي تعود من العمل كنت أخبرها عن الأشياء التي رأيتها أو سمعت عنها، وكانت تضرب براحة يدها على جبهتي وتستمع إلي باهتمام، وتبذل قصارى جهدها في تفسير ما تستطيع. وكنت دائما أقدر هذا الاهتمام؛ فصوتها ولمسة يدها كانا يمثلان لي الأمان. لكن معلوماتها عن الفيضانات والتعاويذ ومصارعة الديوك جعلت هناك الكثير من الأشياء التي أود تعلمها. فكل شيء جديد علي كان جديدا عليها، وكنت أخرج من تلك الحوارات وأنا أشعر بأن أسئلتي قد منحتها سببا غير ضروري للقلق.
अज्ञात पृष्ठ