يَغْلُظُ كُفْرُهُ.
وَمَنْ رَاعَى فِيهَا الْمَعْنَى الثَّانِيَ قَالَ: الْمَقْصُودُ إِظْهَارُ صَغَارِ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ وَقَهْرِهِمْ وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَخْتَصُّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَلْ يَعُمُّ كُلَّ كَافِرٍ.
قَالُوا: وَقَدْ أَشَارَ النَّصُّ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩]، فَالْجِزْيَةُ صَغَارٌ وَإِذْلَالٌ، وَلِهَذَا كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ ضَرْبِ الرِّقِّ.
قَالُوا: وَإِذَا جَازَ إِقْرَارُهُمْ بِالرِّقِّ عَلَى كُفْرِهِمْ جَازَ إِقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِ بِالْأَوْلَى ; لِأَنَّ عُقُوبَةَ الْجِزْيَةِ أَعْظَمُ مِنْ عُقُوبَةِ الرِّقِّ؛ وَلِهَذَا يُسْتَرَقُّ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ.
فَإِنْ قُلْتُمْ: لَا يُسْتَرَقُّ عَيْنُ الْكِتَابِيِّ - كَمَا هِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ - كُنْتُمْ مَحْجُوجِينَ بِالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَسْتَرِقُّ سَبَايَا عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَيَجُوزُ لِسَادَاتِهِنَّ وَطْؤُهُنَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ فِي قِصَّةِ سَبَايَا " أَوْطَاسٍ "، وَكَانَتْ فِي آخِرِ غَزَوَاتِ الْعَرَبِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ أَنَّهُ قَالَ:
1 / 106