كلكم تعرفون مثل التينة، فربنا يسوع المسيح لا يقصد بالتينة إلا نحن الرعاة. فلو رجع المخلص اليوم يا أولادي ماذا كان يعمل؟ الله يعلم.
وضاق به الكلام وخانه اللسان وتغرغرت عيناه بالدموع، فالتفت صوب المذبح ليمسحهما، فوقعت عينه على الصليب فقال بصوت أعجز عن وصفه هذه الكلمة العظيمة على سذاجتها: لو عدت اليوم يا سيد لاشتهينا أكل التين.
وكان سكوت عميق، وأجهشت العجائز، وقرعت الصدور. وعاد جدي إلى الكلام فقال: فلنصل يا أولادي، فلنتشبه بأبينا مار مارون، فبصلواته عمل العجائب الكثيرة. ما هي الصلاة، الصلاة حكي الإنسان مع ربه، فإذا كان حكي الناس مع بعضهم يولد المحبة والألفة، وإذا كان انقطاع الجيران عن الكلام يقوي العداوة حتى نعجز عن حلها، فأيش قولكم بمن لا يحاكي ربه؟ إذا كان أهل البيت لا يكلمون بعضهم فماذا يكون البيت ؟ طبعا كلكم تقولون: جهنم الحمرا.
صلوا إذن فكل ما تطلبونه تنالونه كما يعلمنا الإنجيل الطاهر، اطلبوا من ربنا أن يتحنن علينا ويرحمنا. أن يروي قلوبنا العطشانة إلى النعمة الإلهية، ويسقي زروعنا، ويبارك علينا، ويحمينا من الجراد.
صلوا عن نية بطركنا الجديد مار إلياس بطرس الحويك حتى يساعده الله على تجديد البيعة وصيانة عزها الروحي، ويسير على درب بطاركتنا القديسين. وصلوا له حتى يقوم بوظيفته، فحملته ثقيلة. ولكنه يقوم بها بمعونة الله الذي لا يخيب المتكلين عليه كما قال داود. البطرك إلياس كلكم تعرفونه رجل مجرد عن الدنيا، وفيه روح آبائنا الأقدمين، وقد حكينا عنه منذ شهر من على هذا المذبح المقدس.
أما أنا وأخي الخوري حنا فعبدان حقيران خاطئان، نقع ونقوم تحت نير الرب سبعين مرة لا سبع مرات، كما قال النبي داود. فصلوا لأجلنا كما نصلي لأجلكم، ولنتضرع جميعنا إلى أبينا مار مارون ليسمع صلواتنا ويساعدنا ويسهر على كنيسته، ولا يهملها لأجل خطايانا الكثيرة. رزقنا الله شفاعته، آمين.
ولما انتهى القداس سار الجمهور بصورة أبيهم مار مارون يحملها الخوري حنا الحداد، وجدي يبخرها، والشمامسة يرتلون ويترنمون؛ والشباب يقرعون الجرس قرعا عنيفا، فالفرصة سانحة، وقرع الجرس أحب شيء إلى قلوبهم، ولا سيما أن قرعه في غير وقته كان فلتة في تلك الأيام.
لا أزال أتذكر جدي كيف كان يبخر دائما بحماسة، وهو ابن ثمان وثمانين، ويرتل بصوته الجهوري الجميل، الذي لم أرث منه شيئا. يبخر وهو يعود القهقرى، وأنا خائف إن تعثر بحجر رجله فيقع. كان جدي ينظر أحيانا إلى السماء، وما دريت لماذا حتى كان المساء وتلبدت الغيوم وسقط المطر. وقال لكنته أمي: هاتي عشيني، الرب قبل صيامي وصلاتي. كثر خيره.
مار عبدا والمطران
كان شهر آب عام 1900 يلفظ آخر نفس لما دعاني فلبيت، وتماشينا، هو شيخ يحمل على منكبيه أثقال قرن، وأنا غلام ظهره خفيف. وما جاز بيت أخيه الخوري موسى - جدي لأمي - حتى رأيته يكتم دمعة ويسترها ويقول: هم السابقون ونحن اللاحقون، رافقني عام أول لزيارة مار عبدا ليلة عيده، فأين هو اليوم؟
अज्ञात पृष्ठ