وكأنني رأيت الجدال انتهى بقول عدو البشر للمخلص: هذه شواربي احشها إن ظهرت لهم ولم تأكلها، ولكن السيد تغلب أيضا على جبل جاج ولم يدخل في التجارب، وإن لم يتجرأ على الظهور فهو يعرف ما عنده ويحب السترة.
أخذتني هذه الأفكار حتى بدت أنوار العيد، فصعدت إلى (قبة الوادي) ودقت أجراس الجوار، فحسبت داود قام وهو يرقص ويرتل للتواب الرحيم، وعينه على أوريا أخرى، لا تستبعد حديثي، فمن عين كفاع أسمع ثلاثين جرسا وأكثر تدق كلها في تلك الساعة، فتصور كيف تكون؟ ثم علت التهاليل على القمم، فخلت كهان الكنائس المتهدمة نفضوا غبار القبر وتجمعوا على الذرى يصرخون مع الصارخين: محبة بالمسيح كيرياليسون.
وبين تهاليل الفتيان وهتاف الصبيان وتسبيح الكهول والشيوخ، تندلق ألسنة النيران من رءوس وأحشاء الجبال، كأنها ألسنة أفاعي الشك، ثم يتعالى الدخان كسلم يعقوب المشهور فتقول: هذه ساعة القيامة والدنيا تحترق، كما زعموا، وتحسد المستعدين، وهكذا تستحيل بقعتنا معبدا منيرا، فتغبر الفقاقيع الغائمة على كأس الفضاء الذي يشكل عندنا كأس شمبانيا. وإذا جاز القاطع والمانع في التشبيه كما يحلو في المنطق قلت: محيطنا كقشرة بيضة - كبر ما شئت - نصفها من الغبراء، والنصف الآخر من السماء.
تخيل أنت ما تشاء، أما أنا فأصف ما أرى، وإذا لم تصدقني فشرفنا بزيارة.
لاحت لي طغمات الوقيد على رأس جبل (بوشال) كصفوف عسكر في الجبهة؛ لا تضمحل فرقة حتى تتقدم أخرى، والدخان ينعقد فوقها كليل بشار، ولكنها حرب بلا رماح ولا سيوف. فالكواكب لا تتهاوى.
تحلق الأنوار على الجبال، كأنها جراحات السيد تفتحت على التلال لتغرق الكتبة والفريسيين بطوفان أحمر، أو كأن للجبال عيونا محمرة تتفتح على الأمة الجريحة، ثم تنطبق خوفا من جلال المشهد. وتسمع خشخشة الهشيم المحترق، كأنها فحيح الثلابين، وكل هذه الأصوات تتحد لتصير صوتا واحدا يهتف مع المعيدين: محبة بالمسيح كيرياليسون.
إنهم يكرمون المسيح باللهيب ويسوع كان لهيبا حقا، كما قال الشاعر السرياني في بيلاطس ومحكمته: قامت القشة على الكرسي حتى تدين اللهيب.
إن نار تلك الخشبة ستظل متقدة ما دامت الإنسانية في حاجة إلى نار ونور، فمن للمقهورين غير الناصري الشهيد، فهو إمام المجاهدين، ومن يقتد به لا ييأس. فسلام عليك يوم ولدت، ويوم تموت، ويوم تبعث حيا.
أهلا بك يا سيد، ولكنك طولت الغيبة. عجل عجل.
لو ترى محبة بالمسيح كيرياليسون تطير عن رءوس الجبال كالعقبان وتتصاعد من الأودية كاليمام، لهتفت معهم: هاللويا كيرياليسون. فما أعظم هذا الضعيف وما أسعده، ولئن طرد من القصور فهو سيد الأكواخ ولا يذهب من مخيلة الشعراء.
अज्ञात पृष्ठ