قصة السعادة
بين ثنايا جلباب الدهور وغضون جبين الأزل فتشت عنها فلم أجدها. وبتلسكوب هذا الزمان حدقت إلى خيالها الضئيل فرأيته يتوارى ويضمحل وراء ضباب المدنية.
في صحارى الآمال وعلى شواطئ بحار المطامع، بحثت عنها فوجدت الرياح ذرتها رملا في الأحداق فعميت عنها العيون وابتلعتها اللجج، فكان الغائص عليها من المغرقين.
قالوا: إنها بذور إلهية نثرتها يد الخفاء على وجه الكرة الأرضية قبل ظهور الحياة، فبحثت جيولوجيا فلم أجدها بين بقايا إنسان الكهوف وفئوس ومدى الصوان.
لقد التقط عقبان الأبد ونسور الأزل بذور الآلهة وطارت محلقة في الأفق المجهول. سمعت حفيف أجنحتها ولم أرها. ما رأيت إلا شبح العدم جاثما على جبهة الوعر، يرقب ساعة يبحث فيها عن عرشه المفقود ويعصب رأسه بثلجه.
إنه ليوم رهيب يوم ظفر العدم، إذ تصبح أشباح النوابغ رمما بالية، يضحك منها الفناء ويهزأ بها اللا شيء. يوم يقبض العدم على قضيب ملكه (ويؤدب المتشردين). هذا هو لقب نوابغ الأرض في مملكة العدم.
تصفحت الأسفار وقرأت سطورها وما بين السطور فلم أجد إلا شكوكا مدلهمة تزداد على البحث ظلاما. استعرضت جنود العلماء والفلاسفة وفي أيديهم سيوف وقنابل البراهين، فرأيت تلك منثلمة وهذه محشوة رمادا. رأيتهم نياما في ظلال الشكوك والتهكم يقهقه فوق رءوسهم صائحا بهم: ناموا واستريحوا يا نوابغ الأرض فقد ضللتم الناس وضللتم.
مع عمالقة التاريخ وجبابرة الإنسانية سرت برعدة. خلتهم راكضين وراء السعادة فأسرعت معهم فاختفوا عن نظري في صحراء التيه فدخلت أرض الفراعنة وحدي.
رأيت جلال ملوكها أبناء الشمس. تصفحت أسفارهم في هياكلهم، ومع موسى الذي تدرب على حكمتها أمعنت النظر فيها. رأيت عصي الكهان تنساب حيات تحت أقدام الفراعنة فاتبعتها إلى هيكل إيزيريس. رأيت هناك الإله الثور وعلى ظهره النسر فقلت: هذا هو السعادة. صعق الكهان لأن الثور قد مات واضطرب الوادي حزنا على الإله، فقلت: لا سعادة هنا.
طفت حول الأهرام واستنطقت أبا الهول فأجابتني مومياء من قبور الفراعنة: فتش عن السعادة في غير هذه الأرض فقد حنطنا أجسادنا لتراها صور أرواحنا إن وجدها أحد بعدنا.
अज्ञात पृष्ठ