فاستضحك الحمار وقال هازئا: ناس كثيرون يأكلون لحمي، فإذا ضاق بوجهي هذا المحيط وقل الرزق أهاجر، مع الذين يهاجرون، أما قال الشاعر: وأرض الله واسعة الفضاء.
فهز الثور قرنيه استخفافا وقال: هذا آخر زمان، الحمار فيه يقول الشعر. إلى أين تهاجر يا جحش، ومن يستقبلك على البور أو في المطار، نحن همل ليس من يسأل عنا. الكلاب خير منا. الكلاب محظوظة في هذا الزمان. فبعد ما كانوا يتنجسون منها، حتى قالوا: فلان قعد مني مقعد الكلب، صار للكلاب صدر الديوان.
فحرك الحمار أذنيه وقال: سبحان الله! الدنيا أدوار، وهذا الإنسان يلعب بمقدراتنا.
وسمع الثور حس صاحبه فأسر الكلام وقال الحمار: هس، هس، ذهبت أيام البراذع والجلال والجلاجل، كما مضت الأيام التي لم تكن تذبح فيها بقرة. - أنا ما رأيت يوما أبيض في حياتي، فكل أيامي إما أن أكون محملا وإما مركوبا، واليوم صرت أفلح. اكتمل النقل بالزعرور كما يقولون.
وشق الفلاح باب القبو فكفا عن الكلام وشرعا يقضمان. فرد الباب عليهما وذهب، وبعد ساعة زمان جاء وفكهما وأطلق سراحهما ليرعيا في مرج قريب، فصادفا جملا وبغلا وقعدوا جميعا يتشاكون فقال البغل: أنتما يا حمار ويا ثور، رضيتما بالتبن الحاف فصار طعامكما الدائم، ألا تعرفان الإنسان طميعا بخيلا شحيحا؟! الحق على من خلفاكم وعوداكم هذه العيشة الذليلة. الذنب ذنب المربي، أما أنا فلا بد لي من الشعير، كما لا بد لأخي الجمل من الفول والكرسنة. أضربنا عن الطعام فوقف العمل، واضطر صاحبنا أن يرضينا ليشتغل ويقبض.
فشقشق الجمل وقال: هاتيك أيام راحت وا حزني عليها. أيام كنا نأكل فيها الكرسنة والفول المنقوعين، أما اليوم فلا فول ولا مكيول. ولا من يحزنون. كنت فيما مضى أشكو الأحمال الثقيلة، أما في هذه الأيام فالحمل نادر والأكل أندر. هذا الزمان كما قلنا، زمان الكلاب والقطط، تأكل خير أكل وتنام على صوف، ولا تعمل شيئا.
فنظر الحمار إلى الثور نظرة ذات معنى فقال البغل: صرح يا ابن أبي، قل بماذا تفكر، فنحن في المصيبة سواء.
ولما استوثق الحمار من أخيه البغل قال له: اسأل خالك الحصان، أما مر ورآني مكدونا قبالة هذا العجل لأن رفيقته نفساء.
فقال البغل: وماذا عملت يا حمار! هم يتزوجون ويخلفون وأنت تشتغل عنهم! قل لي ماذا عملت؟ - ماذا عملت؟ أكلت كم عصا ومشيت غصبا عن رقبتي. فتقدم البغل ينظر إلى الجرح الذي أحدثه النير في رقبة الحمار، ثم هز رأسه وقال: لم يسموك حمارا عن عبث، فلو كنت عملت مثلي لنجوت.
فصاح الحمار: وماذا عملت؟ علمني حتى أعمل مثلك.
अज्ञात पृष्ठ