ثم كان ما كان، وجاء الأستاذ ريمون أده نائبا عن بلاد جبيل، وها هو قد نفذ ووسع دائرة البيكار فشرب ساحل بلاد جبيل كله أو كاد، ولم يبق غير التلفون والكهرباء.
فإلى الشيخ الرئيس الذي سمع صوتنا وحفظ لنا هذا الحق الحيوي أحر الدعاء، وإلى الأستاذ ريمون أده الذي جاهد ولا يزال يجاهد في سبيل المنطقة التي ينوب عنها أجزل الشكر، وهنيئا لمن شرب، هكذا نقول. نحن زائلون جميعا، أما المشروع فباق إلى ما شاء الله.
وفيما يلي فقرات من عرض القضية الذي رفعناه إلى مقام محكمة شورى الدولة الموقرة ننشره هنا ليذكرنا الناس ويترحموا على من أحسنوا إليهم. بعد الوفاة طبعا عملا بسنة منح النياشين عندنا.
عفوا، نسينا أن نشكر الصحافة التي ناصرتنا وحملت إلى السلطات الثلاث صوتنا، وأخص منها بالذكر جريدة التلغراف والطيار ولسان الحال والأحرار والأخبار، وصوت الشعب التي نشرت عرض القضية ملخصا في عددها 1252 بتاريخ 25 آب سنة 1946 وهذا هو كما ورد فيها :
قرى بلاد جبيل العطشى
الأستاذ مارون عبود يقيم الدعوى على الحكومة، وعلى رئيس الرهبانية البلدية بعد صدور مرسوم بالترخيص للرهبان بأخذ مياه ميفوق إلى دير كفيفان!
في خراج قرية ميفوق من بلاد جبيل نبع اسمه (نبع قطرة) وفي هذه المنطقة 26 قرية محرومة من المياه، ولا سبيل لسقيها إلا من هذا النبع. وقد طالب أهاليها الحكومات السابقة كلها بجر مياه النبع إليها دون جدوى. وظلت هذه القرى لا تجد ماء للشرب إلا المياه المجموعة من الأمطار. وبينما كان الأهلون يأملون أن تلبي الحكومة طلبهم، فتقوم بواجبها في جر مياه نبع قطرة إلى قراهم، فوجئوا بمرسوم يقضي بالترخيص لرهبان دير كفيفان (منطقة البترون) بجر مياه النبع إلى ديرهم، وحرمان أهالي بلاد جبيل من نبع ينبع ويجري في أرضهم، أي حرمانهم من مياه الشرب إلى الأبد، فأقام الأديب الكبير الأستاذ مارون عبود لذلك الدعوى على الحكومة وعلى رئيس الرهبانية البلدية الأباتي يوحنا العنداري، لدى مجلس الشورى. والأستاذ عبود من سكان (عين كفاع) إحدى القرى صاحبة الحق في نبع قطرة والدعوى التي أقامها الأستاذ مارون عبود، عدا عن حججها الحقوقية البالغة. طرفة أدبية، نقتطف منها بعض الفقرات قال: «هذه القضية تشبه الأمراض المزمنة، لقد طالبنا الحكومات السابقة كلها بجر هذه المياه إلى قرانا؛ لأنها حقنا الشرعي، أما هذه القرى فهي: بجه، عين كفاع، غبالين، غلبون، بيت الأشقر، الصليب، معاد، دير معاد، غرزوز، بخعاز، شيخان الرومية، جدايل، الريحانة، المنصف، البربارة، الحلوة، بعشتا، عمشيت، غرفين، العفص، حبالين، شامات، حصارات كورا الهوا، حصرايل.
إن هذه القرى جميعها محرومة من مياه الشفة، وهي تشرب من الآبار المجموعة مياهها من أمطار الشتاء، ولا أمل لها إلا بنبع قطرة الذي يحاول آباؤنا الرهبان المحترمون اختلاسه بمرسوم ...!»
وبعد أن يعدد الأستاذ مارون عبود محاولات الرهبان لإتمام المشروع قبل صدور المرسوم، واحتجاجات الأهلين، يشرح الحق الشرعي لسكان بلاد جبيل، دون الرهبان، في هذا النبع فيقول: «إن هذا النبع ليس في خراج دير ميفوق كما ورد في المرسوم؛ إذ ليس لدير ميفوق خراج ، وإنما هناك قرية اسمها ميفوق والدير فيها. أما هذا النبع، نبع قطرة، فيصب فوق قرانا التي تطالب بالشرب منه، بينما آباؤنا الرهبان، زادهم الله رشدا، يكلفون المياه ضد طباعها، يكلفونها أن تتحدى ناموسها الطبيعي ليرضوا عنادهم المشهور، يريدون أن تمشي المياه مشية السرطان (السلطعون)، وتسير طلوعا، ومن طبيعتها أن تشق طريقها نزولا، فالمياه لا تعرف إلا التحويل النازل. أما التحويل الصاعد فليس في حسابها، وإن حاول الرهبان تعليمها حسابا جديدا، فهيهات أن تتعلم وسنخرجها من مدرستهم تلك. (إنه لا يجوز) أخذ ماء من منطقة لا تستغني عن ذاك الماء لتسقي منطقة أخرى في استطاعتها أن تشرب من نبع آخر أغزر وأكمل منفعة وأعم فائدة وأقل تكاليف. إن المثل اللبناني يقول: الماء لا يمر على عطشان. فكيف تجهل هذا الرهبانية، وهي لبنانية بلدية؟! فهل وصلنا إلى زمان تحرف فيه الأمثال، كما تحرف القوانين، مدنية ودينية؟»
إذا ادعى الرهبان أنهم يريدون سقيا دير لهم، وعملوا بالمثل اللبناني القائل: بقر الدير ورزق الدير، أجبناهم: ونحن عندنا دير هو دير معاد.
अज्ञात पृष्ठ