अहादिथ मजिनी
أحاديث المازني
शैलियों
ولم يكن وهو بمصر يقصر همه عليها بل كان معنيا كذلك بتركيا وإيران والأفغان والهند وغيرها.
وإذا قلت تركيا فإني أعني الدولة العثمانية كلها بما كان يدخل فيها من بلاد العرب قاطبة، وقد اتصل في مصر برجال الدين والسياسة، وبعث فيهم روحه، وكانت له حلقة يلقي فيها دروسه الدينية، ومبادئه السياسية الحرة التي سبق بها كتاب الغرب الأحرار، وقد تولى عن المصريين مطالب الخديو إسماعيل بإعلان نظام الحكم الدستوري، ونصح للخديو توفيق بإقامة حكم البلاد على قواعد الدستور، لا كمنحة بل كحق. ولم يعلن الدستور، في أيامه، بمصر ولكنه هو أقصي عن مصر.
ولما استقل السفينة من مصر، جمع له لفيف من تلاميذه والمعجبين به مبلغا من المال يستعين به، وقدموه إليه. فأبى أن يتقبله، وشكرهم وقال لهم كلمته المشهورة «إني كالأسد لا أعدم قوتا أينما كنت».
وأشهر تلاميذه المصريين وأعظمهم وأرفعهم قدرا الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، ومما يستحق الذكر لعظم دلالته على قوة شخصية السيد جمال الدين أن الشيخ محمد عبده كان يرى في الفترة التي سبقت الثورة العرابية التدرج في الإصلاح حتى تنضج البلاد سياسيا لحكم نفسها بنفسها، وقد ادخل إصلاحات كثيرة في مصر في عهد وزارة رياض باشا الذي كان يثق به ويكله إلى رأيه، ثم قامت الحركة العربية، وسارت بأسرع مما كان ينتظر، وكان غرضها تحرير المصريين والتخلص من عناصر الترك والشراكسة المتحكمين المستولين على المناصب في الإدارة والجيش، ومضت إلى غايتها في جو من الدسائس الأجنبية والأطماع الدولية، فخشي الشيخ محمد عبده العاقبة، وكان بعيد النظر سديد الرأي، فتوقع إذا لج العرابيون فيما هم فيه، ولم يتحرزوا أو يتوخوا الاعتدال أن ينتهي الأمر باحتلال الإنكليز لمصر، فكان لهذا يقاوم العرابيين مقاومة شديدة وينعي عليهم قصر نظره وقلة تبصرهم، ويبسط فيهم لسانه حتى ضجوا وهددوه بالقتل إذا ظل يتعرض طريقهم ويناوئهم، وأراد بعض العرابيين من أصدقاء الإمام أن يصلح ما بينه وبينهم، وأنا أعرف هذه القصة لأن الذي حاول إصلاح ذات البين من أقربائي، ولن بيت جدي كان هو مكان الاجتماع.
وتكلم العرابيون، وتكلم دعاة التوفيق ثم تكلم الأستاذ الشيخ محمد عبده، فأصر على رأيه أن العرابيين باندفاعهم سيجرون على البلاد الاحتلال الأجنبي فأخفقت المساعي للصلح والتوفيق.
وكان أبي من رجال الأزهر، وزملاء الشيخ محمد عبده في الدراسة وتلاميذ السيد جمال الدين، وإن كان لم ينبغ كما نبغوا، فسأل الشيخ محمد عبده «أكنت تلج هذه اللجاجة في عنادك مع العرابيين لو كان السيد جمال الدين في مصر؟» فكان جواب الشيخ محمد عبده هذه الكلمة المترعة «يا محمد (فقد كان أبي اسمه محمد) لو كان السيد جمال الدين هنا لما قامت الحركة العرابية ولا احتاج أحد إليها، لأن السيد كان يغني بشخصه عن كل ذلك».
وتمثل ببيت من رثاء المتنبي. «كان من نفسه الكبيرة في جيش وإن خيل أنه إنسان»
ولما استفحلت الحركة العرابية وضرب الأسطول الإنجليزي الإسكندرية، انضم الشيخ محمد عبده إلى العرابيين، ووضع يده في أيديهم لأن الواقعة قد وقعت، وكان ما خاف أن يكون، فلم يسعه إلا أن يكون مع قومه - ولو كانوا مخطئين - على الغريب، وكان يتمثل ببيتي الحماسة:
بذلت لهم نصحي بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغذ
अज्ञात पृष्ठ