अहादिथ मजिनी
أحاديث المازني
शैलियों
فالمدارس والسجون والقوانين والشرائع والعادات والتقاليد والمساجد والكنائس، إلى آخر ما هنالك غايتها العلاج وقد صدق ابن الرومي حين قال:
والناس إن فكرت من طينة
يصدق في الثلب لها الثالب
لولا علاج الناس أخلاقهم
لفاح منا الحمأ اللازب
ولو اختار كلمة غير «الأخلاق» أعم منها وأشمل لكان قوله أجمع وأوعى، على أني لا أستقلها مع ذلك ولا أراها من الضيق بحيث لا تغني فإن أخلاق الناس مصدر كل ما يكون من أحوالهم وأعمالهم ففيها الكفاية ونحن نقتنع من الشعراء بما دون ذلك ونكتفي منهم باللمحات الدالة، لا لقصور خاص فيهم بل لأنهم يلزمون أنفسهم من القيود ما لا يلتزم غيرهم فليس عجبا أن يعيوا أحيانا بالتعبير وأن يجيء اللفظ أقصر من المعنى قليلا والمعنى أكبر وأضخم من اللفظ الذي يكتسبه ويحاول أن يتبدى فيه.
وأنا أعرف هذا معرفة، فقد كنت أعالج النظم قديما، فأطار عقلي وسود عيشي، ما كنت أعانيه من مشقة الأداء الوافي الدقيق، وما كنت أحس به من العجز عن التعبير الصحيح وما كنت أراني أقع فيه من اللغو والحشو والتزيد الفارغ ولهذا كففت وتبت إلى الله أو رشدت إذا شئت، فما تنقص الإنسان في حياته القيود العارقة حتى يضيف إليها قيود الوزن والقافية، فليعذر الناس الشعراء فإنهم بشر مساكين وليغضوا عن تقصيرهم فإنه اضطرارا، وليكبروا توفيقهم فإنه والله اقتدار.
وأهون شيء أن يبسط المرء لسانه فيما شاء بما شاء. ولكن المزية ليست في إرسال اللسان بالانتقاص والغض، فما في هذا مجهود من العقل أو النفس يتكلفه المرء وإنما المزية أن يفكر، ويتدبر ويقيس ويوازن، ويعدل، ويكبح نفسه عما يغريه به أول الخاطر، ويصدها عما يدفعها إليه الهوى.
والرجل الذي يجري مع أول الخاطر ويطيع في كل حال ما تهيب به غرائزه ونوازعه الفطرية هو رجل لا مهذب ولا مصقول ولا مثقف ولا انتفاع للدنيا به ولا خير للناس فيه.
وسبيل المدنية أو الثقافة أن تتناول الغرائز الفطرية أو النزعات الطبيعية فتدفعها في مجار تحبسها عن الانسياح، وتمنعها أن تتبدد سدى وتوجهها وجه الخير العام أي أنها تقيم الضوابط، وترفع الأحباس والسدود لينتظم التدفق على قدر ويعظم الانتفاع ويتقي شر التحدر بغير كابح، أي الفوضى. مثال ذلك أن الحب هو الذي يغري الرجل بطلب المرأة، والمرأة بطلب الرجل، والغاية منه حفظ النوع. فهو الأداة التي تحرك النفس وتثير فيها الرغبة أو الاشتهاء. فإذا لم يكن ثم نظام كابح فإن كل رجل يكون لكل امرأة، بلا حساب أو تمييز، ويكون الأمر مرجعه إلى القوة في صورة من صورها المتعددة - قوة الساعد أو قوة الحيلة وما أشبه ذلك، وهذا حال الجماعات المستوحشة أي التي لا تزال على الفطرة. ولكن الإنسان ارتقى قليلا وارتفع عن هذه المرتبة الفطرية، فنشأ نظام الزواج والأصل فيه أنه يقوم على الحب. وأن الغرض منه هو تنظيم الجماعة. وتدبير أمر النسل لخيرها كلها.
अज्ञात पृष्ठ