أما المسوغ الفلسفي الذي يستند إليه الوجوديون الإباحيون فهو أسخف الإسناد الفلسفية التي ظهرت في عالم الفكر والعقيدة.
إنهم يقولون إن الوجود الحقيقي هو وجود الفرد المعروف بشخصه وكيانه، وإنما النوع كلمة أو لفظة أو خيال لا جود له في غير التصور، وليست «الإنسانية» إلا كلمة خاوية لا توجد بمعزل عن هذا الفرد وذاك الفرد أو هذا الإنسان وذلك الإنسان.
ومن هنا اسم الوجودية الذي ينتسبون إليه ويحسبونه تصويرا للواقع لا مراء فيه.
إلا أن الواقع الذي لا مراء فيه أن النوع موجود في تركيب كل إنسان وإنسانة، وأنه ما من خلية في بنية الفرد لم يتمثل فيها النوع تمثيلا أوفى وأعمق من تمثيل الفرد ذاته بجميع خصائصه ومقوماته.
ولقد ثبت ثبوت اليقين أن قوام البنية مرتبط بالغدد الصماء وغير الصماء، وأن علاقة هذه الغدد بالخصائص النوعية وثيقة جدا في عملها المنفصل وأعمالها التي تتعاون عليها.
وإذا كان تمثيل النوع حيويا أو «بيولوجيا» حقيقة لا ريب فيها فالتمثيل النفساني أو السيكولوجي تضارعها ثبوتا ويقينا إن لم تكن أبرز منها للوعي والشعور.
وعلى هذا لا يمكن أن يقال إن الفرد موجود حقيقي وإن النوع وهم ليس له وجود؛ لأننا لا نستطيع أن نتخيل فردا مجردا من الخصائص النوعية في كل خصلة من خصاله وكل خلجة من خلجات وعيه وشعوره، ومن قال إنه ينطلق على هواه ويمضي على رأسه غير مبال بمصير النوع إلى الفناء فعليه قبل كل شيء أن يخرج من دعوى «الوجودية» إلى دعوى «العدمية»، لأن فلسفته تقوده إلى فناء الفرد وفناء الإنسانية، حين يزعم أنه يبالي بحاضره ولا يبالي بمصيره ولا بمصير الإنسانية جمعاء.
وبعد فهذه الوجودية كلها شيء والمدارس الفوضوية كلها شيء آخر.
إن الوجودية لا تسري على الجماعة ولا تتجه إليها إلا من طريق الاتجاه إلى استقلال الفرد على حدة.
أما الفوضوية فهي جماعية قبل كل شيء، وهي حركة سياسية لا تنظر إلى الأفراد متفرقين ولا تبالي بهم مستقلين، وكلهم سواء عندها في ظل النظام الذي لا سلطة للطغاة عليه، وإذا اتفق الوجوديون والفوضويون في كراهة التسلط فقد يتضارب الفريقان إذا كانت المسألة مسألة طغيان الجماعة لا مسألة الطغيان من أصحاب السلطان.
अज्ञात पृष्ठ