سكرة رخيصة لا أكثر ولا أقل.
وإنهم ليتحدثون عن «المذهب العلمي» أو يتحدثون عن التفسير «العلمي» للتاريخ، ويكثرون من ذكر العلم والبحث والاستقراء، ثم تنظر فيمن يستهوونهم بهذا الهراء، فلا ترى أحدا منهم يحفل بالعلم، أو يعنيه أمر المعرفة والاستقراء، ولكنك واجد فيهم - على يقين - من يعميهم الحسد عن كل فضيلة، وتندفع بهم الغرائز كما تندفع السائمة على غير هداية، ومن يعملون ولا يفكرون في عاقبة ما يعملون.
إن «الماركسية» إذن لهي الحقيقة بما تفتريه من وصف للأديان والمعتقدات، وإنها لأفيون الشعوب بغير مراء، وكلما بحثت عن سبب صالح لشيوع المسكرات في بيئة من البيئات؛ فاعلم أنه سبب صالح كذلك لشيوع المذاهب الهدامة، ولتفسير هذه الشهوات التي تتلخص في أول الأعراض التي تبدو على السكران: بإسقاط للتبعة، وخلع للحياء، واستمراء للتطاول والبذاء على كل محسود، وإن لم يكن من الأغنياء.
وفي هذه الكلمة الوجيزة - وما يلي من الأحاديث المذاعة في حينها - تنبيه سريع إلى هذه الحقيقة البينة.
ولكنه تنبيه لمن؟
لا للمخمور الغارق في سكرته، فإنه لا يفيق، ولا يحب أن يفيق، وفي رأسه بقية من خمار.
ولكنها تنبيه لمن ينظرون، لا يكلفهم إلا أن يديروا إليه الآذان والعيون.
عباس محمود العقاد
العلم والمذاهب الهدامة
من الدعاوى العريضة التي يدعيها أصحاب المذاهب الهدامة أنهم يعتمدون على الحقائق العلمية، ويتجنبون الأوهام والخيالات التي تعلق بها دعاة الإصلاح الأقدمون. ومن أجل هذا يسمون الاشتراكيين السابقين لهم بالحالمين، ويقولون عنهم إنهم خادعون مخدوعون، وإن الاشتراكية الحديثة التي يبشرون بها هي الاشتراكية العلمية التي لا تقيم وزنا لغير الواقع المقرر بالتجربة والمشاهدة، ولا تعد الناس شيئا إلا أن يكون مضمونا حاصلا أو في حكم الحاصل بعد زمن قريب.
अज्ञात पृष्ठ