ومذهبه أن الألم والخجل يخلقان الشعور في الضمير. فالضمير موجود وصاحبه غير معدوم، ومن تجارب الكابوس أن يبتلى هذا «الوجودي» بالتعذيب في معسكرات النازية، وأن يجيعه في روسيا، وأن يدخله في الشيوعية الصينية ليتهم فتاة بريئة مخلصة بتهمة الخيانة والجاسوسية لعله يشعر بالخجل وتبكيت الضمير فينسب نفسه إلى الوجود.
ثم يعود إلى باريس فتنعقد المجامع ترحيبا بالمجاهد العائد من ميادينه، ويدعى إلى مجمع من هذه المجامع فيقبل وهو ينظر إلى مكان ضيف الشرف فإذا فيه غراب وإذا الغراب ينعب له بصوت يسمعه المجتمع كله:
فلسفتك يا هذا ليس لها وجود
فلسفتك يا هذا عدم
إنها ليست بشيء
وينهض أخيرا على صدى هذا النعيب فيسمع نفسه يصيح:
ها أنت أخيرا تتعذب. ها أنت أخيرا موجود
هذه صورة من الوجودية الممسوخة ترادفها صورة أخرى على شاكلتها في المسخ والضلالة، وقوامها أن الفرد موجود والنوع الإنساني وهم ليس له وجود، أو كما يقولون باصطلاحهم أن الوجود سابق للماهية، وأن الإنسانية التي هي «ماهية» الإنسان كلمة على اللسان، وليس لها حق عليه لأنه هو مصدر الحق كله ومرجع الواجب كله فيما يختلج فيه من شعور الأنانية والانفراد بالذات. •••
وعلى هذا الاعتبار أوجزنا القول في الفصلين اللاحقين عن الوجودية بمذاهبها المتعددة، ليتبين منها موضع المذهب الصالح وموضع المذهب الذي انحدر بانحدار القائلين به أو الداعين إليه.
الوجودية أو الوجدانية
अज्ञात पृष्ठ