ولم يحدث قط في التاريخ أن سلطانا غاشما مستبدا أنفق من الأموال على السلاح والجاسوسية ما ينفقه هؤلاء الطغاة المستبدون في بلاد الشيوعيين.
ألوف الألوف من الضباط والجنود. ألوف الألوف من الدعاة والجواسيس. ألوف الألوف من المدافع والدبابات والسفن والطيارات، وكل ذلك لتسخير العمال والصناع في سبيل طائفة من الحكام وأصحاب السلطان، ويعرف هؤلاء الحكام أن هذه الأموال الضائعة ثقيلة الوطأة على أعناق العمال المكدودين والصناع المجهودين، فيشغلونهم بالمنازعات الدولية، ويخدعونهم بالفتن العالمية، وينشرون الفوضى هنا، ويلهبون نيران العداوة هناك. ولا يتركون الأمم لحظة واحدة في سلام، ليخيفوا رعاياهم من خطر الحرب، ويدخلوا في روعهم أنهم مهددون بالهجوم عليهم من كل جانب، وأن تبذير الأموال على التسليح والتجنيد ونشر الدعوة وبث الجواسيس - كل أولئك ضرورة لازمة لاتقاء تلك الأخطار واتخاذ الحيطة لأولئك الأعداء.
تلك هي حقيقة الأحوال في بلاد الشيوعيين: سلطة سياسية تستعبد الأيدي العاملة وتسخر الصناعة كلها لحماية وجودها وتمكين سلطانها. وأين العمال ونقابات العمال؟ لا صوت ولا حركة. لأن صوتها ضائع بين مجالس الحزب ولجان السوفييت ومكاتب الفابريقات. ومما لا ريب فيه أن العمال في بلاد العالم قاطبة أرفع صوتا وأوفر حرية من زملائهم في بلاد الشيوعيين. وهي هي البلاد التي يصول فيها الحاكمون باسم العمال المظلومين. وصدق أبو العلاء، حين قال قبل ألف سنة:
ظلموا الرعية واستباحوا كيدها
وعدوا مصالحها وهم أجراؤها
وهكذا يرجعون إلى الوراء، باسم التقدم والارتقاء، ولا تقدم هناك.
الحرية والإذاعة
نعني بالإذاعة كل وسيلة من وسائل النشر على اختلافها، ومنها - بل أهمها بالبداهة - وسيلة الإذاعة اللاسلكية أو الأثيرية التي تسمعونها الآن.
فهل هناك علاقة وثيقة بين الحرية والإذاعة على اختلافها؟
الجواب السريع نعم، والجواب بعد طول الروية والأناة نعم أيضا. لأن العلاقة وثيقة بين الاستبداد والحجر على الأقوال والأفكار والحرص على التستر والكتمان، وبقدر الصلة بين الاستبداد والكتمان تكون الصلة بين الحرية وإذاعة الأخبار والأفكار.
अज्ञात पृष्ठ