विचार और पुरुष: पश्चिमी विचारधारा की कहानी

महमूद महमूद d. 1450 AH
97

विचार और पुरुष: पश्चिमी विचारधारा की कहानी

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

शैलियों

والواقع أن النظرية الأبوية على أية صورة من الصور تبدو - عند الكتابة في العلاقات الاجتماعية - نظرية خالدة. وكلنا يعرف أن علماء النفس المحدثين قد أكدوا - متأثرين بفرويد - أهمية علاقة الأب بالابن. وكذلك كان لا بد لعلماء النفس أن يكتبوا في النظريات السياسية، فرجعوا مرة أخرى إلى النظرية الأبوية. ومن الحق أنهم يؤكدون ازدواج الشعور عند الابن؛ فهو يحس بالاعتماد على أبيه، كما يحس الرغبة في الثورة عليه، ومن الحق أنهم يعدون أنفسهم علماء، ويزعمون أنهم يضيفون إلى مجموع المعرفة التراكمية. ولكني أنصح القارئ أن يطلع على الكتاب الحديث الذي أخرجه مستر جفري جورر، وعنوانه: «الشعب الأمريكي». ستجد أن مستر جورر يفسر سياستنا وثقافتنا إلى حد بعيد بمركب الأب ومركب أوديب، ويخرج علينا بتفسير فرويدي عجيب لحب الذكور الأمريكان لشرب اللبن. ومن المرجح جدا أن يجد أبناء القرن الثالث والعشرين أن تطبيق مستو جورر لتشبيه الأبوة العتيق من السخافة على الأقل بالدرجة التي نرى بها تطبيق سير روبرت فيلمر.

وهناك حجج أخرى تساق في جانب الملكية المطلقة. ومن هذه الحجج ما يعود إلى السابقة الرومانية لا في عهد الجمهورية، ولكن في عهد الإمبراطورية المتأخرة، وذلك عندما كانت الدولة الرومانية مستقرة على نظام بيروقراطي وعلى رأسها أمير مطلق. ومن الشعارات التي شاعت حين ذاك «أن ما يسر الأمير له قوة القانون». وهذه العبارة تعرض الأمر في صراحة تامة، وربما كانت أشد الحجج إثارة من وجهة نظر الجمهوريين.

ومهما يكن من أمر فإن العبارة المقدسة التي تداولها التاريخ هي «حق الملوك المقدس»؛ فالملك إله على الأرض، وليس في هذا زيغ عن الدين. وفي تفسير النظرية الملك هو وكيل الله في أرضه، والاعتراض على إرادته اعتراض على إرادة الله، وهو تجديف وكفر. الملك هو من يصب الله عليه الزيت المقدس - والواقع أن ملوك أوروبا طبقا لسوابق العصور الوسطى كانوا يمسحون في حفل التتويج بزيت مقدس خاص، ونستطيع - بطبيعة الحال - أن ندرج أكثر الحجج التي تؤيد الحكم الملكي المطلق تحت هذه الحجة.

ومما له دلالته أن الحجج الأساسية في جميع هذه الآراء التي تدافع عن الحكم المطلق الحديث كلها تقليدية؛ ذلك أن فكرة التعاقد مع قليل من التحريف تصور لنا ما أسماه هوبز «الوحش الجبار» الذي يحل محل الدولة المسيحية الإقطاعية التي نادى بها جون سولزبري. ومع قليل من التحريف كذلك تتحور فكرة الراعي الروحاني والأب المسيحي إلى الملك الأب الذي لا يجوز عصيانه.

إن المعجبين بالعصور الوسطى يدهشون بصفة خاصة لما يعدونه انحرافا في النهضة عن مذهب حق الملوك المقدس الذي عرفته العصور الوسطى. إن من مبادئ العصور الوسطى كما يزعمون - وهم على حق بالنسبة إلى التعبير اللفظي - أن الحاكم يحكم بالحق المقدس ما دام يحكم كما يشاء الله. إنه يحكم بالحق المقدس لا بمعنى أن الحق ملك، وهو حق لا يمارى فيه، ولكن بمعنى أن الحق عدل من الناحية الخلقية. فإذا ما أساء الحكم ولم يحكم طبقا للحق المقدس فإنه عندئذ يفقد حقه في الحكم، ولرعيته حق التحلل من واجب الطاعة، ولثورتهم ما يبررها. وهنا لا بد لنا أن نتساءل من ذا الذي يقضي بأن الملك يحكم طبقا لإرادة الله؟ وهب أن فئة من الناس في الدولة تقول بأنه يحكم طبقا لإرادة الله، وأن فئة أخرى تقول إنه لا يحكم طبقا لها، من يهدينا إلى الصواب؟ إن التفكير في عهد النهضة وفي العهد الوسيط كان بوسعه أن يجيب عن هذه الأسئلة بدرجة من اليقين لا تتوافر لنا؛ لأن نفوسهم لم تساورها الشكوك بعد في أن إرادة الله أقل وضوحا من الحقيقة العلمية، التي لا يمكن بطبيعة الحال أن تكون من صفات هذه المشكلات. إن العقل الوسيط وعقل الإنسانيين على السواء كان يؤمن أشد الإيمان بأن إرادة الله هي في وضوح أية حقيقة من الحقائق فوق هذه الأرض.

إن الحجة التي نعدها اليوم - على الأقل بين الشعوب التي تتكلم الإنجليزية - دامغة قاطعة لا تساق قط في وضوح وجلاء. وتلك هي الحجة التي تقول بأن الطراز الجديد من الدولة الملكية أشد كفاية من الدولة الملكية القديمة، وأن الملك لا بد أن يتمتع بالسلطة المطلقة لكي يمحو الآثار المتبقية من الحكم الذاتي الإقطاعي، ولكي يحكم العقل، ويضع المعايير، حتى يستطيع رجال الأعمال من الطبقة الوسطى الحديثة أن يكون لهم رواج في سوق أوسع وفي ظروف أكثر أمنا وأقوى طمأنينة. إن تبرير نظام من النظم ب «منفعته» - وهو نوع من سباق الحجة مألوف لدينا - ينشأ في الواقع دفاعا عن الملكية، ويظهر ذلك حتى عند بيير دبوا في أوائل القرن الرابع عشر. بيد أن هذه الحجة عند أكثر الكتاب الذين نتعرض لهم هنا تختلط بكثير من الحجج الأخرى. والظاهر أن «كتاب السياسة» الفرنسيين، أولئك الكتاب الذين وضعوا الأمة ممثلة في التاج فوق الأحزاب الكاثوليكية والبروتستانتية على السواء، والذين فعلوا ذلك في الحروب الدينية التي نشبت في أواخر القرن السادس عشر - الظاهر أنه كانت لديهم في أذهانهم أمثال هذه الآراء الحديثة التي يمكن أن نسميها قومية. غير أنهم لم يتحدثوا باللغة التي نتحدث بها اليوم.

ومن خيار هؤلاء الكتاب جين بودين الذي يعد في الحق في كثير من الأحيان أكثر من كاتب سياسي. كان بودين باحثا إنسانيا، ذا معرفة واسعة، وصاحب اهتمامات عديدة. وله مكانة هامة في تاريخ الكتابة التاريخية باعتباره أحد الكتاب الأوائل الذين عنوا بالطرق التاريخية المنظمة، وربما كان في التاريخ السياسي أكثر الكتاب اتزانا في موضوع السيادة الشائك . وهو بطبيعته رجل معتدل معقول. وقد كتب في أواخر القرن السادس عشر، عندما استرد أرسطو قيمته بعد التحقير الذي لحق بآرائه على أيدي الإنسانيين الأوائل، وهو يتميز بقوة الإدراك العام الذي نلمسه في سياسة أرسطو. وينتهي بودين إلى مدافع عن الحق المطلق للأمير صاحب السيادة؛ فصاحب السيادة - طبقا لبودين - يعلو على القانون، ولا بد له أن يعلو باعتباره واضع القوانين. غير أن بودين يسارع فيصف ذلك بأنه مبدأ شرعي فحسب. أما من الناحية الخلقية فالأمير بطبيعة الحال يرتبط بقانون الإله وقانون الطبيعة، وبآداب اللياقة. فإذا هو لم يتقيد بهذه القوانين كان حاكما مستبدا، وإن كان صاحب السيادة في ظاهر الأمر، ويسوق بودين كذلك الحجة الأبوية، ويدعمها بنظرية «قوة الأب» الرومانية ومجموعة المقتبسات الإنجيلية المألوفة.

وليس من الإنصاف أن نقول إن كل التفكير السياسي عند الإنسانيين والكلاسيكيين في أوائل القرون الحديثة يميل إلى ناحية الحكم المطلق؛ فهناك منذ بداية إحياء الآداب القديمة اليونانية والرومانية بمعناها في عهد النهضة اتجاه واضح يمكن أن تتابعه متابعة الخط المستقيم في التفكير السياسي الغربي حتى الثورة الفرنسية التي جعلت بروتس أحد أبطالها. وذلك الاتجاه هو الإيمان ب «الجمهورية الكلاسيكية» التي تجعل ليفي من أبطالها، والتي تتميز بكراهية الرومان للملوك، كما تتميز في كثير من الأحيان بانعدام الثقة في عامة الناس المتقلبين.

وهنا نلتقي مرة أخرى بلفظة لها تاريخها، ويمكن من ثم أن تكون غامضة. إننا نميل نحن الأمريكيين إلى أن نحسب أن «الجمهوري» ليس إلا طريقة أخرى نعبر بها عن «الديمقراطي» - ويختلف هذا كلية عن غرام الأحرار منا بالقول بأن حزبينا - الجمهوري والديمقراطي - يتشابهان تشابه العصا بالعصية، ولكن «الحكم الجمهوري الروماني» لم يعد أن يكون ذلك النظام الروماني السياسي، الذي كان - وظل كذلك حتى تأسيس الإمبراطورية - نظاما أرستقراطيا من الناحيتين السياسية والاجتماعية. وهذه الفكرة - فكرة الجمهورية الأرستقراطية - التي كان ذيوعها في العصور الوسطى محدودا، فلم يتوسع أحد في بسطها، بدأت تنتعش في عهد النهضة. وهي بطبيعتها لا يمكن أن تكون من عقائد الجماهير، بل لقد كانت مذهبا يسود - قبل كل شيء - بين الفنانين ورجال الفكر، وبخاصة من كان منهم من أرومة طيبة - باعتباره من صفات الأرستقراط. وهو مذهب - عند معتنقيه - لا يتفق بطبيعته مع أي نمط من أنماط التفكير البسيطة، العامية المتكررة. إن الجمهورية الكلاسيكية تحررية دائما تقريبا، أكثر منها جماعية، أو اشتراكية، أو هي - على الأقل عندما تؤكد أن النظام الذي لا بد منه للمجتمع يتطلب رعاية الطبقات الدنيا - عبارة عن جماعية «النبلاء الملتزمين بالمسئولية»، أو الجماعية التي أطلق عليها الإنجليز في القرن التاسع عشر اسم «ديمقراطية المحافظين». إنك حيثما تجد رجالا يسعون نحو إصلاح أساسي ثوري للمجتمع لكي يتخلصوا من الفقر بمجهود الفقراء، لا بد أن تجد أن هؤلاء الرجال في تلك القرون الحديثة الأولى إنما يستوحون الدين أكثر مما يستوحون النزعة الإنسانية، بل إنهم ليستوحون نوعا متعصبا من أنواع الطائفية الدينية.

وهناك نوع من أنواع الجمهورية الإنسانية يصوب في صميمه ضد ملكية معينة. في أخريات القرن السادس عشر زادت الحروب الدينية الأهلية الكبرى من حدة التفكير السياسي في فرنسا، وتمخضت عن مجموعة من النظريات ديمقراطية في ظاهرها. وظهر من الهيوجونوت أمثال إتيان دي لابواتي وفرنسوا هوتمان يعارضون أشد المعارضة كل نظريات الحكم المطلق الملكية، وأصروا على أن تكون السلطة العليا في أيدي الشعب بدلا من الملكية المطلقة. وساق مؤلف كتاب «دفاع ضد الاستبداد» - وهو على الأرجح دي بلسي مورناي - نظرية التعاقد وكثيرا من التاريخ الوسيط وتاريخ الكتاب المقدس ليبرر الثورة الفعلية، بل وسفك دماء المستبدين. وتستطيع أن تستمد مما كتب في هذا الموضوع شيئا قريبا جدا لما أمسى فيما بعد مذهب حقوق الإنسان والحاجة إلى حكومة دستورية في أيدي هيئة برلمانية تمثيلية، وسيادة القانون، وما إلى ذلك، وهي الآراء التقليدية التي سادت القرن الثامن عشر. غير أن روح هذه الكتب لا تمت قطعا إلى القرن الثامن عشر بصلة. روحها من العهد الوسيط، على الأقل لاعتمادها كالمألوف على حجج أساسها السوابق التاريخية أو الإنجيلية، وما تنوء به من دراسات عويصة. ولم يكن هؤلاء الرجال مثيري شغب بأية حال من الأحوال؛ فلم يكونوا جماهيريين، بالرغم من أن عدالة مطالب الجماهير هي التي كانت تحرك نفوسهم، ويحس المرء أنهم بالضرورة ضد الملكية لأن الملكية الفرنسية كانت تقف في وجههم، ولكنهم كذلك كانوا جمهوريين بالضرورة؛ إذ لم يكن هناك مجال آخر للاختيار. وقد أقام بعضهم مبدأ «القيادة الطبيعية»، وما أبعدهم عن توماس بين أو بنيامين فرانكلين؛ فقد كانوا جمهوريين، ولم يكونوا ديمقراطيين.

अज्ञात पृष्ठ