विचार और पुरुष: पश्चिमी विचारधारा की कहानी
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
शैलियों
الإنساني يرى في الكائن البشري، الكائن البشري بأكمله ومركبه، المعيار الذي يقيس عليه. وإذا أردنا أن نبالغ في التبسيط قلنا إن شعاره: لا تكن إنسانا رفيعا (متدينا) ولا تكن إنسانا وضيعا (آليا). كانت الإنسانية في مجموعة قيمها - كما بينا من قبل - تشمل مدى فسيحا متدرجا من السلوك المادي مثلما يشمل أي نظام للقيم غربي آخر عظيم. قد يكون الإنسان معيار كل شيء، ولكنه ليس معيارا دقيقا يؤخذ به في كل حين؛ فهو مثلا يستطيع أن يشرب الخمر في توحش، كما يستطيع أن يتناول قليلا من أكواب النبيذ فيلمع باعتدال في ذكائه وفطنته، ويستطيع كذلك أن يتناول قليلا من النبيذ يصلح به معدته، أو أن يمتنع امتناعا قاسيا، ويحاول أن يمنع الآخرين عن تعاطي أي نوع من أنواع المشروبات الروحية. وفي القرون الأربعة أو الخمسة الأخيرة مالت قطعا تلك الأقلية المهذبة - التي تحب أن تسمي نفسها إنسانية - نحو السلوك الثاني، وكانت تستهدف الاعتدال الذي يدخل البهجة في النفوس، ولكن الإنسانية في أيام النهضة التي كانت أشد من ذلك عربدة لم تحصر نفسها في هذه الحدود. كانت تستطيع أن تعربد مع رابليه، وأن تتهذب مع مور، وأن تتعالم مع أرازمس، وأن تنشط في حماسة مع سليني، وأن تتشكك وتتسامح مع مونتيني، بل أن تكون نابليونية تضم سيدات فاتنات ورجالا مهذبين - كما كانت الحال في بلاط لورنزو العظيم في فلورنسة.
الاتجاهات السياسية في النزعة الإنسانية
إن القرنين اللذين نعالجهما هنا كثيرا ما يطلق عليهما في التاريخ السياسي «فترة الإطلاق». ومن الحق أن الدولة الدنيوية الحديثة في هذين القرنين قد انبثقت عن دولة العصور الوسطى في جميع أرجاء العالم الغربي، حتى حيثما كانت الوحدة الأرضية ليست الحكومة القومية كما نعرفها - كما كانت الحال في جرمانيا - إنما هي أراضي أمير، أو مدينة حرة، ربما لا تزيد في مساحتها عن سابقتها في العصور الوسطى. وأبسط ظاهرة عملية لهذا التحول تتمثل في وجود سلسلة وحيدة من السلطة في الوحدة الأرضية الجديدة - يعززها نظام متدرج من محاكم القضاء والقوة المسلحة، من الشرطة والجند - يدفع أجورها، ويديرها، ويدبر أمرها أولئك الذين يتربعون في قمة السلسلة. وقد بقيت آثار الإقطاع في كل مكان تقريبا، وهذه الدولة الحديثة لم يكن البتة لديها ذلك التنظيم الدقيق وذلك التسلسل في السلطة الذي يفترض أن يقوم على أساسه الجيش الحديث. غير أن الاختلاف عن نواة العصور الوسطى المعقدة من الحقوق والواجبات، ومن توازن السلطات وقيود العادات، كان عظيما جدا. إن الدولة الحديثة - حتى إن أنت اعتبرت روسيا السوفيتية نهاية تجسيدها - لم تكن في أي وقت من الأوقات ذلك المجتمع المجند، المنظم تنظيم جماعة النمل، الذي يقصد إلى الكفاية بغير تورع، كما تصورها ناقدوها الكثيرون. إنما هي من الناحية التاريخية قد نشأت - على الأقل إلى حد ما - عن الحاجة إلى التقنين والكفاية والحاجة إلى شيء من الحد من ميل الإنسان إلى الضلال، وإلى التراخي، وإلى التفرد.
ونستطيع مرة أخرى أن نضرب المثل بثنائية بسيطة: إذا أنت أوضحت أوجه التباين بين السلطة (الإرغام) والحرية (التلقائية)، وجدت في هذه المباينة أن الدولة الحديثة في جميع أشكالها - حتى عندما تكون هذه الأشكال ديمقراطية - تنتمي إلى جانب السلطة. وهناك بطبيعة الحال أشكال متنوعة من الناحيتين التاريخية والجغرافية، ويمكن أن تقترب بعض الدول من الجانب المطلق من التسلط أكثر من غيرها. غير أنها جميعا كانت تمارس رقابة سياسية على أكثر الأفراد أشد مما ألفته العصور الوسطى.
ومن المؤكد أن نظرية الدولة المطلقة بلغت في تلك السنوات من الصراحة ما بلغته في أي عصر آخر (ويبدو أن نظرية الحكم الشامل الحديثة لا تحب أن تقف صراحة ضد أمثال هذه الألفاظ التي لها جاذبيتها ك «الحرية» و«الديمقراطية»). وقد اخترع هوبز الفيلسوف الإنجليزي في القرن السابع عشر للدولة الحديثة لفظة «لفاناتان» أو الوحش الضاري. وقد لبث هذا الاصطلاح منذ ذلك الحين سبة بين الكتاب المتحررين، واستغل هوبز صورة قديمة من صور النظريات السياسية، لها ماض طويل من الاحترام من عهد روما حتى العصور الوسطى، وهي نظرية التعاقد. غير أنه حرف هذه الفكرة - التي استخدمت على وجه الجملة في جانب التحرر - وواءم بينها وبين نظريته في التسلط مواءمة قوية. كان التعاقد من قبل يفترض وضع «قيود» على جميع أطرافه - سواء منهم الحاكم والمحكوم - ولكنه يقيم فوق كل شيء نوعا من الحدود يمكن للفرد في نطاقه أن يستقل. أما هوبز فيرى أن جميع الأفراد إنما يقبلون التعاقد لكي يتجنبوا الحرب المفزعة التي يشنها كل فرد ضد المجموع التي لا بد أن تسود لو أن الإنسان بقي على «حالة الطبيعة» (وسوف نعود إلى هذه الفكرة عن حالة الطبيعة. أما هنا فيكفينا أن نذكر أن هوبز كان يعد هذه الحالة مؤلمة إلى درجة أنها ربما لم يكن لها من قبل في الواقع وجود). وهؤلاء الأفراد يتعاقدون فيما بينهم على خلق السيد، وهو صاحب السلطة الذي يسن القوانين التي تجب على الجميع طاعتها، والتي تحل النظام محل الفوضى في حالة الطبيعة. «ولكن ليس هناك تعاقد بين الفرد أو أي مجموعة من الأفراد وبين السيد» السيد المطلق، وعلى الفرد أن يطيع السيد طاعة مطلقة، ولا يتحوط هوبز في الواقع إلا من ناحية واحدة فقط، وتلك هي أن السيد إنما يوجد لحفظ النظام، ولكي يكفل للفرد الأمان، فإن هو فشل في تحقيق هذا الغرض وسادت الفوضى في الدولة وأمست الحياة غير آمنة، حق للفرد أن يحمي حياته وأمنه بقدر طاقته. غير أن هوبز لم يضع قلبه في هذا التحفظ الفرضي، وإنما كان يضع قلبه مع إعلاء السيد فوق التعاقد الذي خلق وجوده.
ولم تكن نظرية التعاقد - كما سوف نرى - أرضا ثابتة تحت أقدام المتحزبين للحكم المطلق في شكله الذي تميزت به النهضة، وهو الملكية المطلقة، بل لقد أضحت حافزا من أقوى الحوافز التي دفعت إلى إقحام الآراء الديمقراطية. بيد أنه كانت هناك معاقل بأسرها من الحجج والنظريات يلجأ إليها أولئك الذين ينادون بالحكم الملكي المطلق ويتلمسونها في المعرفة التاريخية الحديثة التي كانت ميسرة لجميع الأفراد المتعلمين، فاستمدوا الحجة من الإنجيل - وبخاصة من العهد القديم - ومن تاريخ اليونان والرومان، ومن أدب الكهان (بالنسبة إلى الكاثوليك على الأقل)، بل ومن بذور المعرفة الفجة الأولى، كعلم ما قبل التاريخ وعلم السلالات. ولا يجوز لنا أن ندهش لأن هذه الميادين بعينها كانت مصدرا هاما لخصوم الملكية المطلقة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ذلك أن الإدراك العام يدلنا دائما على أن الشيطان يستطيع كذلك أن يقتبس من الإنجيل - الأمر الذي لا ينكره إلا أصحاب العقول البالغة في مرونتها.
وقد يكون من الممل ومما لا يجدي أن نستعرض عددا كبيرا من هذه الحجج التي تدافع عن إطلاق الحكم. ومن الأمثلة الطيبة نظرية الأبوة، التي بلغت كمالها بين الكتاب الإنجليز في الكتاب الذي أنفق لوك في تمزيقه وقتا طويلا، وهو كتاب «الأبوة» لسير روبرت فيلمر. إن نظرية الأبوة تستحق الدراسة كمثال للوسائل المعقدة المنحرفة لما استحدثنا له في الوقت الحاضر التعبير ب «التبرير» أو لما هو أشد من ذلك مدعاة للاستخفاف. ومن الجلي أننا لا نعالج هنا نظريات علمية، أو معرفة تراكمية، وإنما نحن نعالج جانبا هاما من جوانب تاريخ الفكر، أو جانبا هاما من جوانب العلاقات الإنسانية.
إن الكاتب الملكي يسعى - في أبسط عبارة - إلى أن يعبر باللفظ عن الأسباب التي تحتم على الأفراد أن يطيعوا حكومة الدولة المركزية الجديدة وهي حكومة يرأسها ملك رئاسة رمزية على الأقل. إنه في النظرية الأبوية يستغل المشابهة بين علاقة الأبوة والبنوة وبين علاقة الملك والرعية، وهو يتلاعب بالاستعارات التي تطلق على الرعية اسم «الأطفال» أو «القطيع»، كما يسمي الملك «الأب» أو «الراعي» أو ما شابه ذلك. وحتى اليوم - وفي الولايات المتحدة - حيث يحكم الزائرون الأوروبيون المغرمون بإلقاء الأحكام العامة بأن الأطفال في الولايات هم الذين ينشئون الآباء في كثير من الأحيان، حتى في هذه الحالة نجد أن الشعور بأن علاقة الأبوة والبنوة العادية هي علاقة الطاعة من جانب الطفل، وأن هذا الشعور لا يزال قويا جدا. وقد اختلفت قوة هذا الشعور باختلاف الزمان والمكان، غير أن أثر الميراث الثقافي الغربي الذي يعزز هذا الشعور قوي للغاية. ويرى الكثيرون أن هذه العلاقة هي من حقائق الحياة. وقد كان المجتمع العبري الذي جمع فيه العهد القديم مجتمعا أبويا للغاية، الابن فيه تحت رقابة أبيه المشددة، وإنك لتجد نصوصا ملائمة تؤكد أن عقوق الأبناء شر من الشرور ، وأمر غير طبيعي، حيثما تنقلت في العهد القديم. و«قوة الأب» في المجتمع الروماني كذلك كانت قوة مطلقة في أيام الجمهورية، بل تمتد إلى حياة الابن. وبتسرب القانون الروماني إلى المجتمع الوسيط انتقلت فكرة السلطة الأبوية الثابتة. وكذلك استغلت المسيحية سلطان الأبوة، والمشاعر التي نمت حول هذا السلطان. وقد شاعت الاستعارة من التعبير بالراعي والقطيع طويلا، وأطلق اسم «الآباء» على قسس الكنيسة.
وكان من اليسير أن تمتد الاستعارة من الكنيسة إلى الدولة، وبخاصة لأن الدولة الحديثة النموذجية الجديدة في البلدان الكاثوليكية والبروتستانتية على السواء استولت - حيثما استطاعت - على النفوذ الروحي، وعلى لب العواطف البشرية، التي كانت في العصور الوسطى تتركز في نظام الكنيسة. ولا نعرف على وجه اليقين كيف انتقل هذا النفوذ عن قصد وعمد. غير أنه مما لا شك فيه أن أمثال فيلمر لم يكونوا من أصحاب الميول العقلية الذين قد يسائلون أنفسهم قائلين إن البابا قد استطاع أن يجعل الفكرة التي تقول بأنه أب مقدس جد نافعة في تعزيز نفوذه، فلماذا لا نعزز سلطان الدولة إذا نحن لم نكف عن التأكيد بأن ملكنا هو أبو الشعب؟ بل على العكس من ذلك كان فيلمر يعتقد صحة نظرياته، كما كان توم بين يعتقد صحة الآراء المناقضة.
غير أن النظرية الأبوية هي عبارة عن مجموعة من الحجج التي تعتمد في قوة إقناعها إلى حد كبير على المشاعر، لا على قوة المنطق وأثر التدريب بالنسبة إلى أولئك الذين يعتنقونها. إنها استعارة وليست نظرية، ويمكن ألا تكون صحيحة أو صادقة لأي امرئ يزعم لنفسه أنه لا يشعر أن الملك أب بأية حال من الأحوال بالنسبة إليه، وبخاصة إذا التزم المرء حدود الإنسانية والتعقل فإنه يستطيع أن يقول بأن هناك نوعا واحدا من علاقة الأبوة والبنوة، وهو النوع الذي نسميه بيولوجيا، والذي ربما كانوا في تلك الأيام يسمونه طبيعيا. ويمكن أن تنبذ النظرية الأبوية - باعتبارها تبريرا لطاعة لا مراء فيها من الرعية إلى الملك (أو من المواطن للحكومة) - بصورة أشد إذا تدفقت المشاعر في اتجاه صحيح، وذلك إذا أنت استبدلت استعارة أخرى مضادة بهذه الاستعارة، وزعمت أن في استعارتك من الصحة ما للاستعارة الأخرى. وهذا هو ما فعله أتباع لوك حينما زعموا أن العلاقة الصحيحة بين الرعية والملك هي علاقة الوكالة؛ فالملك ليس أبا لرعاياه، وإنما هو وكيل عنهم، وهو موجود ليكفل لهم حكما طيبا، فإن أخفق في ذلك فلهم كل الحق في فصله كما يفصل المرء وكيلا عنه لا تثبت جدارته. ويرى أكثر الأمريكيين أن نظرية الوكالة في الحكم هذه نظرية معقولة جدا. غير أنه مما لا شك فيه أن النظرة الأبوية كانت خلال التاريخ الغربي الطويل أكثر تمثيلا للرأي العام.
अज्ञात पृष्ठ