विचार और पुरुष: पश्चिमी विचारधारा की कहानी
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
शैलियों
ونذكر رابليه هنا مرة أخرى مثالا لذلك؛ كان يحب أن يسخر من رهبانية العصور الوسطى، ومن خرافتها، ومن تمسكها بالعفة، ومن عملها الأرسطاطاليسي، وهو يحرر الرجال والنساء من هذا الهراء. وديره الذي يسمى «دير تيليم» كان ديرا علمانيا حقا، يقبل الرجال والنساء على السواء، وقد نقش على مدخله هذا الأمر السار: «افعل ما تشاء».
وأعود فأكرر أنه ينبغي لنا أن نتجنب المبالغة في تخليص هذه الحركة من كل عاطفة نبيلة؛ فلقد كان رجال النهضة هؤلاء - إذا نظرنا إلى النهضة من وجهها الرياضي - هم كذلك صانعي العالم الحديث، عاونوا كثيرا على هدم العالم الوسيط، وبخاصة أوجهه السياسية والخلقية، وأنتجوا كثيرا من الأعمال الفنية التي تعد جانبا من تراثنا لا مفر لنا منه. ولما حل القرن التاسع عشر كانوا قد بلغوا حد العمالقة، وأدوا لأكثر أمم أوروبا العظيمة - ما خلا ألمانيا التي كانت في انتظار جيته - تلك الوظيفة الهامة؛ وظيفة أبطال الثقافة. وأرجو ألا تحسبوا هذه الإشارة تافهة؛ فلولا شيكسبير لربما اهتز - بل لخف بالتأكيد - اعتزاز البريطانيين بأنفسهم، واعتزازنا أيضا، ولم يكن بالإمكان أن يحل محله آخر.
غير أن رجال النهضة هؤلاء لم يكونوا البتة يعملون لأهداف كأهدافنا، ولو التقينا بهم أحياء لشق علينا أن نعدهم من ذوي قربانا. ولا يرجع ذلك - كما سوف نرى في الفقرة الآتية - إلى أنهم لم يستسيغوا الديمقراطية بمعناها الحديث عندنا، بل لم تكن لديهم عنها فكرة ما. وإنما الفارق بيننا وبينهم أعمق من ذلك، أو قل إن هذا الفارق الأساسي يمتد إلى كل ميادين الحياة. ويمكن التعبير عنه بوسائل شتى. إن وراء معتقداتنا الديمقراطية الحديثة نوعا من التفاؤل، فكرة عن إمكان النظام وانتشار الرفاهية بين الناس أجمعين، وهي فكرة لم تكن لدى رجال النهضة. إننا نؤمن اليوم بالتقدم المطرد، وبزمان أفضل في المستقبل هو من طبيعة الأشياء. ونحن نعتقد في الخير الأساسي وفي القدرة على التعلم الكائنة عند الكائنات البشرية العادية. وهناك إيمان أساسي بأن الإنسان ينسجم مع الكون بصورة ما، وإذا عبرنا عن الموضوع ببساطة ليست كلها خداعا، قلنا إن الناس قد خلقوا ليكونوا سعداء.
هذه في الواقع تعميمات ضخمة غاية في الخطورة، وربما لا تكون هذه المعتقدات سائدة بين أكثر الناس في منتصف القرن العشرين، وربما كنا على أعتاب عصر جديد وإيمان جديد، ولكن هذه المعتقدات كانت بالتأكيد معتقدات الديمقراطية المتفائلة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وفي نهاية أحكامنا العامة عن النهضة يجب أن نعترف بأنه ما دامت هذه القرون الأولى من العصر الحديث كانت منبتا لآرائنا، وما دامت - فوق كل شيء - قرونا من التخمر العقلي العظيم ومن التجارب الكبرى، وحيث إنه قد كانت هناك - بوجه عام - حرية للفكر في أكثر أنحاء أوروبا؛ ما دام الأمر كذلك فإنك تستطيع أن تجد أمثلة من كل ما يطرأ على ذهنك في هذه الأيام. فإن كنت من الديمقراطيين أتباع جاكسون وجدت عند «دعاة المساواة الإنجليز» أصولا لما تعتقد. وقد أكسبت العلوم والمخترعات، والمكتشفات الجغرافية الحياة العقلية اتجاها حديثا. كما كانت الجدة والإثارة من الأمور المألوفة، أو كانت على الأقل توجد دائما بجهد ضئيل. وقد كان أحد الإنسانيين في تلك القرون هو الذي أمدنا بالكلمة التي نلخص بها الفكرة التي تقول بأن الناس يمكن أن يكونوا سعداء، ويمكن أن يتلاءموا تلاؤما طيبا في مجتمع كامل فوق هذه الأرض - وتلك الكلمة هي «الطوبى، أو المدينة الفاضلة».
وعند هذه الكلمة يجب أن نقف هنيهة نفكر فيها. إننا نستخدم كلمة «الطوبى» وفي نفوسنا شيء من السخرية. والكلمة تحمل في طياتها نعمة لا يخطئها المرء تنم عن الأحلام، والأساطير، وغير الواقعي. وليس في ذلك شيء من التعسف؛ لأن «طوبى» سير توماس مور ليست أقرب إلى التفكير الحديث من «جمهورية» أفلاطون. وإذا كنت ذا منحى خاص من التفكير والتربية أضفت إلى ذلك أنها «ليست أيضا أقل في حداثتها من «الجمهورية»» كلاهما من عمل مثاليين ميتافيزيقيين، وكلاهما من ذوي العقول المرنة الذين يأملون أن تتجاوز الروح الجسد بصورة ما. إن كتاب مور يمثل اهتمام أوائل القرن السادس عشر بالمكتشفات الجغرافية و«الطوبى» ذاتها جزيرة قام بزيارتها الملاح رالف هثلوداي - وهي أكثر احتفالا بالمشكلات الاقتصادية من «جمهورية» أفلاطون. غير أن كليهما متسلط في روحه، ويبدو أن كليهما لم يكن على دراية بالتحول في العلاقات الإنسانية باعتباره عملية مستمرة، بل وتطورا من ضروب التطور، وربما كان أكثر الكتاب الذين أقبلوا عامدين على اختراع نوع من أنواع المدائن الفاضلة متسلطين بطبيعتهم، حتى إن كانوا - كما كان كارل ماركس - ينادون فيما يكتبون بزوال الدولة، أو بهدف بعيد فوضوي آخر واعتباره الغاية القصوى.
كان سير توماس مور أحد الباحثين الإنسانيين، كاثوليكيا استشهد على يدي هنري الثامن، ولم يكن البتة أحد أولئك الإنسانيين ذوي العقول الخصبة الذين نوليهم اليوم اهتماما خاصا. وهؤلاء الإنسانيون ذوو العقول الخصبة هم الذين أكسبوا النهضة ذلك اللون الذي يبدو لنا اليوم جذابا من بعيد. كان هؤلاء المغامرون، المتطلعون إلى المعرفة، المنفعلون في صميمهم، على غير ثقة بأنفسهم وبمكانتهم في العالم. لقد حاولوا جاهدين أن يثقوا بأنفسهم، ولكنهم لم يصيبوا نجاحا يذكر. إنهم لم يتمتعوا بذلك الأمن الأكيد الذي بلغه الإنسانيون الكلاسيكيون «المقتصدون». كانوا دائما يجربون شيئا جديدا، ودائما يحاولون أمرا جديدا.
وكانت لهم على أية حال غايات خاصة، وأهداف خاصة، وطرق خاصة يسعون إلى اتباعها. كانوا يحقرون من شأن السلف، لا من أجل ما عدوه دورانا منطقيا فارغا فحسب، ولكن كذلك من أجل ما عدوه خوفا من الحياة - حياة الشهوات - الذي عرفته العصور الوسطى. كان التفكير الجديد عند أفراد الطراز الحديث لعهد النهضة - وقد كان الإنسانيون ذوو العقول الخصبة في قمة حركة التجديد في القرن السادس عشر - كان هؤلاء ينادون صراحة بوثنيتهم في سبيل استمتاعهم بالحياة؛ فلم يكن هؤلاء الإنسانيون وهؤلاء الفنانون يشبهون في شيء أولئك المنحلين الذين ظهروا في أواخر العصور الوسطى، يؤرق ارتكاب الذنوب جنوبهم عندما يحاولون أن يمتعوا أنفسهم. كانوا يرقصون رقصة الحياة لا رقصة الموت.
ولكنه كان رقصا علنيا، وكان الراقصون يتألقون. كل راقص يجاهد أن يبز الآخرين في صقله، وحيويته وقدرته على الاحتمال. وكانت المنافسة بين الجماعات التي رسمت حدود الأرستقراطية على أقوى وأشد ما كانت عليه في أي عهد سبق من عهود المجتمع الإنساني، وربما كانت هذه المنافسة بين الصفوة أفتك من تلك المنافسة واسعة الانتشار التي عرفت في أواخر القرن التاسع عشر. وكانت النهضة عصر البطولة - ويتمثل البطل كفنان، وجندي مغامر، ومكتشف، وباحث بل وسجين. وإذا لم يبلغ المرء حد البطولة، كان فاشلا في حياته.
والكلمة العظيمة - التي دار حولها كثير من الأدب النقدي والأدب التاريخي - الكلمة التي يبدو أنها تشير إلى هذا المزيج من جميع المواهب الذي يكاد يبلغ حد الجنون، هذه الكلمة هي ما يدل في الإيطالية على «الفضيلة»، وهي كمثيلتها في الإنجليزية الحديثة مشتقة من الأصل اللاتيني الذي يعني «الرجولة». و«فضيلة» النهضة تؤكد «الرجولة» بمعناها لدينا، وتضيف الكثير إلى هذا المعنى. «الفضيلة» مثل أعلى من مثل الطبقة العليا، يستطيع الشخص الموهوب من الطبقة الأدنى أن يرتفع إليه، وهي كمثل الفروسية التي اشتقت منها إلى درجة ما. ومثل الفضيلة - كمثل الفروسية - يمكن أن يؤكد قانونا سلوكيا لا ينحرف عن المسيحية، ويمكن أن يتحول في يسر شديد إلى قانون الجنتلمان، وهو قانون الحشمة وإن بولغ في جانب التهذيب منه، كما يصور بالدراسات كاستجليوني في مؤلفه «كتاب البلاط». وكان كاستجليوني يكتب كإنساني، مع كثرة الإشارة إلى الأدب القديم، ولكنه يكاد ينتمي إلى العصور الوسطى من حيث عقيدته التي تنم عن مرونة العقل، عقيدته في صحة المثل الأعلى. والأمير الذي يصوره أقرب إلى الأمير الذي صوره جون سولزبري في العصور الوسطى منه إلى الأمير الذي صوره معاصره مكيافيلي: «ما دام الأمر لا يكلفنا سوى الألفاظ، قل لنا بإخلاص كل ما يطرأ على عقلك تعلم به أميرك.»
فأجاب سيدي أوتافيانو: «أود أن أعلمه أمورا كثيرة أخرى يا سيدتي لو أني عرفتها؛ من ذلك أنه لا بد أن ينتقي من بين رعاياه عددا من أنبل وأحكم الرجال المهذبين، يشاورهم في كل أمر من الأمور، ولا بد أن يعطيهم السلطة والحرية المطلقة في التعبير له عن آرائهم في كل شأن من الشئون بغير كلفة . وعليه أن يسلك معهم سلوكا يمكنهم من أن يلمسوا جميعا أنه يحب أن يعرف الحق عن كل شيء، وأنه يضع كل طريقة من طرق المغالطة موضع الكراهية. وإلى جوار مجلس النبلاء هذا، أنصح أن يختار من الشعب أفرادا آخرين من ذوي المرتبة الأدنى، يكون منهم مجلسا شعبيا، يتفاهم مع مجلس النبلاء فيما يتعلق بشئون المدينة، سرا وعلانية. وبهذه الطريقة يتكون من الأمير (وهو بمثابة الرأس) ومن النبلاء والعامة (وهم بمثابة الأعضاء) هيئة واحدة موحدة تصدر إدارتها عن الأمير خاصة، ولكنها تشمل الآخرين كذلك. وهكذا تكون لهذه الدولة أشكال الحكومات الطيبة كذلك، وهي الملكية، وحكومة الصفوة، وحكومة الشعب.
अज्ञात पृष्ठ