विचार और पुरुष: पश्चिमी विचारधारा की कहानी
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
शैलियों
وخير مثال نعرفه هنا للمعرفة اللاتراكمية يستمد من ميدان الأدب؛ فالأدباء يقدمون فروضا معينة، وأفكارا معينة عن سلوك الأفراد، وعن الحق والباطل، وعن الجميل والقبيح. وقد كتب فيها الأدباء الإغريق باليونانية منذ أكثر من ألف عام، وكان غيرهم من المفكرين في نفس الوقت يكتبون أيضا باليونانية عن حركات النجوم أو عن نظريات الأجسام الصلبة في الماء. ولكن أدباءنا المعاصرين يكتبون اليوم في نفس الموضوعات التي عالجها الأدباء الإغريق وبنفس الطريقة والأسلوب إلى حد كبير، وبغير زيادة واضحة أو معينة في المعرفة. أما علماؤنا فإن لديهم عن علوم الفلك والطبيعة معارف وأفكارا وفروضا تربو كثيرا على ما كان عند اليونان.
ولا بد لمؤرخ الفكر من دراسة تطور المعرفة التراكمية والمعرفة اللاتراكمية على حد سواء، أن يدرس أثر كل منهما في الحضارة الإنسانية والسلوك البشري. ومن أجل ذلك فإن مؤلف الكتاب لم يهمل النظر في هذه الناحية أو تلك.
ومن الواضح أن الجهد لا بد أن يبذل لكي تتطور المعرفة اللاتراكمية - وبخاصة في الميادين الاجتماعية وعلوم النفس والأخلاق - حتى ترقى إلى مستوى التقدم العلمي الذي تم بالتراكم، وبذلك ترقي الحكمة التي توجه تطبيق العلم، والتي يسير الإنسان على هداها، فتؤدي به إلى حياة السلم والرفاهية. ولا يكفي أن تدور الحكمة في رءوس قلة من العباقرة المفكرين، بل لا بد من نشرها بين الناس كافة، بالتعليم والصحافة والإذاعة وغيرها من الوسائل، حتى يمكن لقادة الدول المخلصين أن يحققوا ضروب الإصلاح المختلفة بالطريق الديمقراطي السليم، فترفع العامة من شأن نفسها عن علم وخبرة ومعرفة، ولا تكون ثمة حاجة إلى قوة أعلى أو سلطة متحكمة تفرض عليها مسلكا معينا ترغمها عليه إرغاما دون وعي منها أو اقتناع من جانبها.
ومن هذه الأفكار التي يرى مؤلف الكتاب أن الغرب قد ألح دائما في تاريخه على نشرها بين الناس والأخذ بها، والتي كافح من أجلها كثير من المفكرين: الإيمان بديمقراطية الحكم السليمة، وبحق كل فرد في التعبير عن نفسه، قولا وسلوكا، دون أن يلحق الأذى بأخيه. وقد أراد الغرب دائما أن يثبت قواعد الحرية والمساواة لكي يحقق السعادة للجميع، بالرغم من الحربين العالميتين اللتين نشبتا في هذا القرن العشرين، فزعزعتا كيان الديمقراطية والحرية الفردية وهزت أركانهما لفترة نرجو ألا تطول.
وقد يكون من العسير على الفرد العادي أن يدرك الأساس العقلي الذي يبرر ضرورة المساواة والحرية والإخاء بين الناس، ومن ثم كان لا بد له من الإيمان بهذه المثل العليا عن طريق الدعوة الدينية. ومن أجل هذا فإن أثر المسيحية لم يختف قط في تاريخ الفكر الغربي منذ ظهورها حتى اليوم.
وترجع أسس التفكير الغربي إلى مصادر عدة، أولها المصدر الإغريقي؛ فقد وضع الإغريق أسس الأدب والفلسفة والتاريخ الغربي. وكانوا أول من استخدم العقل بطريقة مبتكرة لم يسبقهم إليها شعب من الشعوب، فكانوا بحق واضعي أسس التفكير الموضوعي، والتفكير المنطقي. وكانوا أول من حاول أن يعلل بالعلم ظواهر الطبيعة. وظهر من بينهم زعماء الفلسفة في تاريخ الغرب؛ فكان منهم سقراط، الذي استشهد في سبيل حرية الرأي والديمقراطية والتقدم الفكري، وكان منهم أفلاطون، صاحب نظرية المثل، وكان منهم أرسطو، ذلك الرجل الموسوعي، الذي ينادي بالتوسط في جميع الأمور.
اليونان هم منبع ما نعرفه بالثقافة الكلاسيكية، وهي أكثر من فلسفة مجردة، إنما هي أسلوب من أساليب العيش، يؤمن صاحبه بأن لبدنه عليه حقا، ولا يكفي للرجل المثقف أن يشبع تطلعاته العقلية، بل لا بد له أيضا من أن يسد حاجاته الجثمانية ولكن في «غير إسراف» كما كان يعبر الإغريق؛ فهم أول من بشر بأن الوسط هو خير الأمور، وقد نعتوه بالوسط الذهبي.
وبلغت الثقافة الكلاسيكية ذروتها في عهد بركليز، ثم أخذت بعد ذلك في التدهور، وكان ذلك في القرن الرابع قبل الميلاد، عندما ضعف نظام المدن الحكومية، وأخذت الأفكار تميل نحو الوحدة العالمية، ونشر الثقافة في جميع أنحاء الأرض، وهو الدور الذي أرادت المسيحية أن تقوم به، والمسيحية كما نعلم تستمد كثيرا من أصولها من الثقافة العبرية؛ فعن طريقها تسربت هذه الثقافة إلى أوروبا.
ثم جاء الرومان، وقد أخذوا عن المدنية الإغريقية أصولها، وأضافوا إليها القوانين الموضوعة، وهندسة الطرق، فكانت من عناصر الثقافة الفردية فيما بعد.
واستمرت المسيحية في انتشارها وبسط نفوذها على عقول الناس، وقد انتصرت على غيرها من المذاهب؛ لأنها جاءت أملا للضعفاء والمساكين، تواسيهم وتؤازرهم، كما أتت بفكرة الخلاص للبشر من ذنوبهم عن طريق تضحية المسيح.
अज्ञात पृष्ठ