विचार और पुरुष: पश्चिमी विचारधारा की कहानी
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
शैलियों
ومما يسترعي النظر في التنظيم المسيحي القديم شدة تأثير مشكلة الخلايا الفردية، أو الكنائس. لقد تماسك المسيحيون؛ تماسكوا في السنوات الأولى ضد الحماسة المتطرفة، وتلك المغالاة الشديدة في النسك من الرهبان والراهبات كما تماسكوا في السنوات المتأخرة ضد الاضطهاد الشديد - وإن يكن في فترات متقطعة - الذي قام به الموظفون الرومان الذين عدوا رفض المسيحي أن يضحي في سبيل الإمبراطور الإله دليلا على الخيانة للدولة، بل تماسكوا ضد المنازعات الدينية الداخلية، وموجات الزندقة، التي صاحبت ما أحرزته الديانة الجديدة من نجاح .
ويشبه تنظيم الكنيسة في شكله كل المشابهة التنظيم المدني للإمبراطورية الرومانية. والواقع أن إحدى الوحدات الرئيسية في التنظيم المسيحي - وهو الأبرشية - كانت بهذا الاسم ذاته قسما إداريا في الإمبراطورية. وكان الأكليروس بعدما تميزوا من قديم عن العلمانيين مرتبين على درجات من السلطة كما هي الحال في الجيش، كانوا يكونون سلما (هيرارشية) من صبيان المذبح وغيرهم من صغار خدم الكنيسة، حتى القسيس، والأسقف، وكبير الأساقفة، والبابا. وكانت الوظيفة الحرجة في تلك القرون الأولى من المسيحية هي وظيفة الأسقف، وهي كلمة مشتقة من اللفظة الإغريقية التي معناها «العريف». وكان الأسقف - كضابط الجيش الكفء يعمل مباشرة مع القسس والعلمانيين ذوي الأهمية في دائرة نفوذه. أما من يعلونه من كبار الأساقفة والبطارقة والبابا نفسه فيميلون - كضباط أركان الحرب - إلى الاشتغال باستراتيجية الحركة وتكتيكها، مع الابتعاد عن العامة.
وربما لم يكن هناك فارق في المجتمعات المسيحية الأولى بين العلمانيين والأكليروس - وربما كان رجال الأكليروس الأوائل يعينون أنفسهم، ولكنهم يثبتون في وظائفهم بحسن نية إخوانهم من المؤمنين. ثم جاء التنصيب، وهو التقديس الرسمي الذي يؤهل المرء لكي يؤدي وظيفة القسيس المعجزة. ولم يظهر التنصيب بسبب بعض التعاليم مثل العشاء الرباني فحسب، وهي التعاليم التي كانت تتطلبه، وإنما ظهر أيضا لأن حمى الحماسة التي انتابت الإخوان والأخوات في الدين بلغت حد التطرف. والواقع أنك تستطيع أن تجد مشكلات القائمين على التنظيم وحلول هذه المشكلات واضحة جدا حتى في كتابات بولس. ومع ذلك فقد كان في بعض هذه الأصول الديمقراطية - وبخاصة فيما يتعلق بوظيفة الأسقف - شيء من العقل؛ لأن هؤلاء الموظفين المختارين كانوا ينتخبون بتصويت الجماعة، بما نسميه «الانتخاب». كان الأساقفة الأوائل ينتخبون بتصويت الأكليروس وبعض العلمانيين ذوي النشاط. وحتى في العصور الوسطى كان أساقفة الكنيسة الكاثوليكية ينتخبون انتخابا شرعا من الأكليروس المنتظمين في سلك الكاتدرائية. وإنما كان السلم الوظيفي (الهيرارشية) في الكنيسة المنظمة - في واقع الأمر - قائما بوضوح على نظام التعيين. وكان الأسقف بالتأكيد معادلا في أبرشية للملك، أو على الأقل للكولونيل. والأساقفة المجتمعون في المجالس كانوا هم الجماعات الناشطة المنظمة التي توجه المسيحية وجهتها الأخيرة.
ولم يكن للكنيسة - خلال القرون الثلاثة أو الأربعة الأولى التي تهمنا في هذا المقام - رئيس واحد على الأرض. وكان لا بد للتنظيم النهائي للسلم الكامل وعلى رأسه البابا أن ينتظر فصل الشرق عن الغرب في الإمبراطورية، بين ما صار الكنيسة الإغريقية الأرثوذكسية وما صار الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. ومن الحق أن أسقف روما في الزمان القديم قد زعم لنفسه حقوقا خاصة للسيادة على الأساقفة الآخرين. ويعتقد الذين يميلون إلى الشك ممن هم خارج الكنيسة أن الرومانيين أصحاب المصالح منذ الجيل الثالث أو الرابع قديما بعد المسيح قد أقحموا على العهد الجديد تلك الفقرات التي أقامت التقليد البطرسي على أساس من الكتاب المقدس، والمسيح - طبقا لهذا التقليد - هو الذي خطط البابوية الرومانية. جاء في إنجيل متى أن يسوع قال لتلميذه: «وأنا أقول لك أيضا أنت بطرس، وفوق هذه الصخرة سوف أبني كنيستي. ولن تسود ضدها أبواب جهنم.» وفي هذه العبارة ما نسميه في الموضوعات غير الموقرة تورية؛ لأن اللفظة الإغريقية التي تدل على «بطرس» هي بعينها اللفظة التي تدل على «الصخرة». وجاء في التقاليد القديمة أن بطرس رحل إلى روما ذاتها، وأسس الكنيسة هناك، ثم مات شهيدا.
وليس بوسع أحد اليوم أن يميز بين ما رسمه المسيح وما جاء عرضا في هذه السلسلة من الحوادث. ومهما يكن من أمر، فإن أسقف روما - طبقا للتقاليد البطرسية - يتعين أن يكون رئيس الكنيسة. ومركز روما الأدبي، ومكانتها في الأوضاع العامة التي كانت لها في ذلك الحين صفة القدم، وهجرة الأباطرة منها فيما بعد مؤثرين عليها القسطنطينية؛ كل ذلك جعل رياسة أسقف روما ما نحب أن نقول إنه أمر لم يكن منه مفر. ومهما يكن من أمر فإن كلا من بطارقة القسطنطينية (والبطريق لقب شرقي)، وأنطاكية، والإسكندرية، كان يؤمن إيمانا ثابتا بأهميته، إن لم يكن بسيادته. وفي المجادلات الكبرى التي ثارت بشأن الزندقة لم تكن أسقفية روما في موقف السيادة دائما بأية حال من الأحوال. وقد ذكرنا من قبل أن الكنيسة الشرقية قد انفصلت نهائيا عن الكنيسة الغربية. وقد بذلت جهود للجمع بينهما؛ لأنه من العار أن يكون هناك طريقان متنافسان إلى السماء ، ولكن ما إن حل القرن الحادي عشر حتى كان الفصل نهائيا.
ولما بلغت الموجة الكبرى للهرطقة أوجها في القرن الثالث كانت المسيحية قد بلغت رشدها. أصبحت عقيدة قوية يتجادل فيها الرجال والنساء في كل أمر يمكن الجدل فيه تقريبا. ولا نستطيع في كتاب من هذا الطراز أن نحاول أن نسرد حتى الهرطقات الرئيسية، وهي تمتد على مدى فسيح لما أسميناه المعرفة اللاتراكمية. وهي تمثل للخارجي ما يبدو كأنه رد الفعل الطبيعي لعدد كبير من المتعلمين وأنصاف المتعلمين الذين تتاح لهم فرصة المناقشة الحرة لهذه المسائل الكبرى، مسائل الحق والباطل، والخلاص والنقمة، وسلوك الإله مع الإنسان. أما ما يجعل هذه المناقشات هرطقة بدلا من أن تكون مجرد اختلاف في الرأي (كما يحدث في المناظرات) فهو أن مثل هذا الاختلاف في الرأي في الأوقات المضطربة يترجم إلى عمل اجتماعي وشعبي. بيد أن توالي الانقسام إلى جماعات متضاربة يفسد وحدة العمل التي تبدأ بها الحركة، والتي تحاول جاهدة أن تتمسك بها.
أما جماعة المسيحيين الرئيسية، وهي المجموعة التي شقت طريقها خلال الاضطهاد والهرطقة وأمست الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، فقد احتفظت بوحدتها وعززتها - كما يبدو للمشاهد من الخارج - لأنه كان يتحتم عليها أن تكافح الهرطقة أحيانا وأن تهادنها أحيانا أخرى؛ ذلك لأن سيادة الهرطقة - وأعني بها الخلاف في الحكم على القيم - قد تكون في شباب أية حركة من الحركات علامة على القوة دون الضعف. ولكن ربما كانت المبالغة في الانقسام في الرأي سببا في قتل الحركة. في حين أن قدرا معينا من الخلاف يعززها. والظاهر أن الكنيسة الكاثوليكية قد اشتد ساعدها بسبب الهرطقة التي تغلبت عليها.
وقد امتدت هذه الهرطقات فشملت الجانب الأكبر من السلوك والعقائد البشرية. وتركز بعضها حول الأسرار المقدسة، كسر صلاحية العشاء المقدس الذي يدبره قسيس آثم. وتركز بعضها الآخر حول الطقوس الفعلية، كذلك النزاع الذي نشب حول الطريقة التي يتحدد بها تاريخ عيد القيامة. ويتركز بعضها حول مسائل السلوك، مثل امتناع القسيس عن الاتصال الجنسي. ويتركز بعض منها حقا في موضوعات سامية من موضوعات أصول الدين (أو فلسفته). وهناك مجموعة من الهرطقيين يسمون «أصحاب المعرفة» اشتقوا اسمهم من اللفظة الإغريقية التي تدل على المعرفة. وتتألف من هذا المذهب دراسة ممتعة وسط الأمور المعقدة - كأنها رقعة الشطرنج - التي يستطيع العقل البشري أن يبنيها بالألفاظ والمشاعر. وقد كان «أصحاب المعرفة» هؤلاء في الأغلب من المثقفين في العالم الإغريقي الروماني، يبحثون عن السحر - السحر المركب - وكانوا على دراية بأكثر المذاهب المتنافسة في العالم الإغريقي الروماني، وبفلسفاته، وبخاصة فلسفة نابلي. وبالرغم من تنوعهم الذي يحير الألباب، فإنهم يميلون إلى الاشتراك في أمر واحد معين، وذلك هو الاعتقاد بأن عالم الحس هذا شر، أو هو غير موجود، أو - بصورة أبسط - إن الحياة التي نحياها كل يوم وهم باطل. وكان شخص يسوع عندهم جذابا، ولكنه يسوع صانع المعجزات، يسوع الرب. أما طبيعته البشرية، وأما مشاركته في هذه الدنيا، فلم يعترفوا قط بها.
ونستطيع على أية حال أن نأخذ الجدل النهائي الذي ثار حول العلاقة بين يسوع والإله الواحد - الإله الآب - مثلا لعصر الهرطقة كله. وينطوي هذا الجدل في كثير من نواحيه على أكثر مما ذهب إليه «أصحاب المعرفة». وأخيرا قبلت المسيحية الرسمية في عام 325م في مجلس نيقية بالقرب من القسطنطينية عقيدة التثليث، أو ما نادى به أثانسيوس. والثالوث الله الآب، ويسوع المسيح الابن، والروح القدس - طبقا لهذه العقيدة - أشخاص حقيقيون، عددهم ثلاثة، ولكنهم واحد أيضا. وبقيت المسيحية وحدانية، تثليثها يسمو على الرياضيات. أما المذهب المضاد، مذهب آريوس، فهو على الأقل يميل إلى التوحيد في كثير من نواحيه - إن لم يكن توحيديا بالضبط كما نعرف مذهب التوحيد في أمريكا في القرن العشرين - وكانوا يميلون إلى أن يخضعوا يسوع للإله، وأن يتصوروا وجوده لاحقا له في الزمن، ونابعا منه أو - وأحب أن أقرر هنا أن علم الدين أمر دقيق - إنه أدنى من الإله الآب بشكل ما. والتعابير الحرجة التي تصور النزاع هي: أثاناسي (أي من نفس جوهر الآب)، وآري (أي شبيه بجوهر الآب). والفارق في المصطلحين اللذين يعبران عن هاتين الفكرتين ينحصر في حرف واحد هو باليونانية
i
अज्ञात पृष्ठ