reissue ) لها، نشرتها مكتبة
Meridian Books (بنيويورك) في عام 1957م. (2) الأفكار الرئيسية في كتاب «أركان العلم»
منذ الصفحات الأولى لكتاب «أركان العلم»، لا يترك بيرسن أي مجال للشك في إيمانه المطلق بالعلم من حيث هو وسيلة الإنسان الوحيدة لحل كل مشكلاته؛ فالعلم أفضل سبيل إلى تعويد المرء الموضوعية والنزاهة في أحكامه، وتخليصه من التحيز والنظرة الشخصية إلى الأمور، وإذن فمن الصفات الأساسية التي ينبغي أن تتوافر في المواطن الصالح، أن تكون نظرته إلى الأمور علمية، ولا يتعين - من أجل تحقيق هذا الهدف - أن يكون المرء عالما محترفا أو متخصصا، وإنما يكفيه أن يعالج ما يحيط به من مشكلات اجتماعية وفردية بنفس الأسلوب الذي يعالج به العالم الطبيعي ما يعرض له من المشاكل.
ولا غناء لمجتمع يهدف إلى النهوض بنفسه عن اتباع الأسلوب العلمي في كل الأمور. صحيح أننا نسمع أصواتا كثيرة تردد - بأساليب مختلفة - الفكرة القائلة: إن للعلم مجالا محدودا لا يتعداه، وإن هناك وسائل أخرى تعيننا على شق طريقنا في ذلك الميدان الواسع الذي لا يسعفنا فيه العلم. غير أن بيرسن - وإن اعترف بقصور العلم وعجزه في ميادين متعددة - يؤكد تأكيدا قاطعا أن جهل العلم بمجال ما يعني أن أي منهج آخر يجهل هذا المجال بدوره ، ويعجز عن إرشادنا فيه، وعلى أية حال فمن الخطأ الاعتقاد بأن جهل العلم حاليا يعني أنه سيظل إلى الأبد جاهلا في المستقبل، فليس لنا أن نقطع بأن هناك ميادين معينة ستظل مستعصية على العلم إلى الأبد، وبأن هناك أنواعا أخرى من المعارف غير العلمية هي التي تهدينا في هذه الميادين؛ ذلك لأن قدرات العلم لا حدود لها، ولكل ما في الأمر أن هذه القدرات تتكشف بالتدريج، وتقتضي وقتا وجهدا طويلا. أما إذا ظلت هناك أمور يقف أمامها العلم عاجزا مهما بلغت درجة تطوره، فإن هذه الأمور تكون من ذلك النوع الذي يستعصي على المعرفة البشرية ولن يعيننا في فهمها أي منهج آخر غير العلم.
ولعل أشهر أنواع المعرفة غير العلمية هي الميتافيزيقا التي اتخذ منها الفلاسفة أداة لمنافسة العلم، ومرشدا للسير في المجالات التي يعجز عن إرشادنا فيها المنهج العلمي. ولكن بيرسن يؤكد أن الميتافيزيقا لا يمكن أن تسمى معرفة بأي معنى من المعاني، وإنما الميتافيزيقا نوع من الشعر غير الواعي بذاته، والفارق بين المفكر الميتافيزيقي والشاعر هو أن الثاني ينفع المجتمع لأنه شاعر لا يعترف بوظيفته الحقيقية، بل يصوغ الشعر في لغة العقل، ويذهب بيرسن في تأكيده لأهمية العلم إلى حد القول: إن الشعر نفسه ينبغي أن يبنى على حقائق العلم. بل إن العلم أكثر إرضاء لحاستنا الجمالية ولشعورنا بالتوافق والانسجام من الشعر ذاته؛ لأنه هو وحده الذي لا يتناقض مع الملاحظة والتجربة، وهو وحده الذي يستطيع ضم كل عناصر تجربتنا في نسق منسجم متآلف. (3) وقائع العلم
يرتبط تفكير بيرسن ارتباطا وثيقا بالمذهب التجريبي الإنجليزي في صورته التقليدية الموروثة عن هيوم في القرن الثامن عشر وجون استورت مل في القرن التاسع عشر، وأوضح مظاهر تأثيره بهذا التراث التجريبي الإنجليزي اعتقاده بأن العناصر الوحيدة التي يمكن أن تسمى «حقيقية»
real
بالمعنى الصحيح في هذا العالم هي لانطباعات الحسية
Sense-impressions ، فالسبورة ليست جسما أو جوهرا واحدا له صفات معينة، وإنما هي قبل كل شيء لون وملمس ووزن وصلابة وحرارة، وإذا كنا عادة ننسب هذه الصفات إلى جوهر معين يحملها كلها، فإن التفكير الصحيح يثبت لنا أنه لا يوجد من وراء هذه الانطباعات شيء؛ فهي آخر حد تصل إليه معرفة الإنسان، وإذن فالشرط الأساسي لإدراكي حقيقة هذه السبورة هو وجود انطباعات حسية مباشرة تتخذ نقطة بداية للإدراك، ثم «استنتاج» إمكان تلقي انطباعات أخرى لو توافرت الظروف الملائمة له: مثل استنتاج أن من الممكن كسر خشب السبورة أو حرقه إذا تهيأت الظروف الملائمة لذلك.
ولكل انطباع حسي مباشر تأثير مختزن في الذاكرة؛ بحيث تبعث هذه التأثيرات المختزنة من جديد لتكون جزءا كبيرا مما نطلق عليه اسم «الموضوع الخارجي»؛ ومن هنا كان بيرسن يتفق مع «لويد مورجان» على تسمية الموضوع الخارجي باسم «المركب»
अज्ञात पृष्ठ