ولم يكن بد من أن يضاف إلى هذا الجهد جهد آخر وهو درس النص نفسه ، فقد يكون الرجل صادقا مأمونا في ظاهر أمره بحيث يقبل القضاة شهادته إذا شهد عندهم . ولكن الله وحده هو الذي إختص بعلم السرائر وما تخفيه القلوب أو تستره الضمائر ، وقد يكون الرجال الذين روى عنهم حديثه صادقين مأمونين مثله يقبل القضاة شهادتهم إن شهدوا عندهم ، ولكن سرائرهم مدخولة تخفي دخائلها على الناس . فلا بد إذن من أن نتعمق نص الحديث الذي يرويه عن أمثاله من العدول لنرى مقدار موافقته للقرآن الذي لا يتطرق إليه الشك ولا يبلغه الريب من أي جهة من جهاته لانه لم يصل إلينا من طريق الرواة أفرادا أو جماعات وإنما تناقلته أجيال الامة الاسلامية مجمعة على نقله في صورته التي نعرفها . وهذه الاجيال لم تنقله بالذاكرة وإنما تناقلته مكتوبا ، كتب في أيام النبي نفسه ، وجمع في خلافة أبي بكر وسجل في المصاحف وأرسل إلى الاقاليم في خلافة عثمان . فاجتمعت فيه الرواية المكتوبة والرواية المحفوظة في الذاكرة وتطابقت كلتا الروايتين دائما فلا معنى للشك في نص من نصوص القرآن لانها وصلت إلينا عن طريق لا يقبل فيها الشك . * * * وكذلك طائفة من أعمال النبي لم ينقلها فرد أو جماعة وإنما تناقلتها الامة الاسلامية كلها جيلا عن جيل كالصلوات الخمس المكتوبة التي أمر الله بها ولم يفصلها ففصلها النبي حين صلى بأصحابه وتناقلتها الامة على نحو ما أداها النبي . وقل مثل ذلك في الزكاة والحج وصيام رمضان الذي فصل الله في القرآن بعض أحكامه وفصلها النبي بصيامه وتعليم أصحابه كيف يصومون ، فإذا وصل إلينا حديث عن النبي فينبغي أن ندرس نص هذا الحديث ونتبين أنه لم يناقض القرآن ولم يناقض ما تواتر من أعمال النبي . . فإن كان فيه مناقضة قليلة أو كثيرة رفضناه واطمأنت قلوبنا إلى رفضه لان النبي إنما كان مفسرا للقرآن ومفصلا للمجمل من أحكامه . وكذلك كانت عائشة رحمها الله تفعل ، فقد نقل إليها أن بعض الصحابة يقولون إن النبي رأى ربه ليلة المعراج ، فقالت لمن نقل إليها ذلك : لقد قف شعري مما قلت . . وقرأت الآية الكريمة " لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير " .
--- [ 11 ]
पृष्ठ 10