Adilla Tahrim Halq Al-Lihya

Mohammad Ismail Al-Muqaddim d. Unknown

Adilla Tahrim Halq Al-Lihya

أدلة تحريم حلق اللحية

संस्करण संख्या

الرابعة

प्रकाशन वर्ष

١٤٠٥هـ - ١٩٨٥ م

शैलियों

أدلة تحريم حلق اللحية بحث أعده محمد بن أحمد بن إسماعيل عفا الله عنه

1 / 1

الطبعة الرابعة ١٤٠٥ - ١٩٨٥ م نشر وتوزيع مكتبة دار الأرقم للكويت- ص. ب ٤٣٢٣١ حولى هاتف ٥٦١٩١٣ حقوق الطبع محفوظة

1 / 2

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله هادي الورى طرق الهدى، وزاجرهم عن أسباب التهلكة والردى، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى من ملك ونبي مرتضى، وعبد صالح اتبع ما شرعه فاهتدى، وإياه نسأل بمنه وفضله أن ينفعنا بالعلم، وأن يجعلنا من طلابه الصادقين، وأن يوفقنا للعمل بما علمنا وتعلم ما جهلنا، واليه نرغب في أن يعيذنا من إتباع الهوى، وركوب ما لا يرتضى، وأن يعصمنا في الأقوال والأفعال من تزيين الشيطان لنا سوء الأفعال. وأن يرشدنا لقبول نصح الناصح، وسلوك الطريق الواضح، فما أسعد من ذكر فتذكر، وبصر بعيونه فتبصر. وصلى الله على من بعثه بالدين القويم والصراط المستقيم، فأكمل به الدين وأوضح به الحق المستبن، محمد بن عبد الله أبي القاسم المصطفى الأمين، صلاة الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. ورضي الله عن الأئمة التابعين والعلماء من بعدهم العاملين، الذين بلغوا إلينا سنته، وشرحوا لنا هديه وطريقته. اعلموا رحمكم الله، أن الواجب على الناصح فيما يرد عليه من الوقائع، وما يسأل عنه من الشرائع الرجوع إلى ما دل عليه كتاب الله المنزل، وما صح عن نبيه المرسل وما كان عليه الصحابة ومن بعدهم من الصدر الأول، الذين عليهم دون في سواهم ممن خالفهم المعول، فما وافق ذلك أذن فيه وأمر، وما خالفه نهى عنه وزجر، فيكون قد آمن بذلك واتبع، ولا يستحسن فإن من استحسن شرع.

1 / 3

قال أحمد بن يحيى حدثني عبيد بن ميمون، قال حدثني عبد الله بن الجعفري، قال: كان عبد الله بن الحسن يكثر الجلوس إلى ربيعة، (قال): فتذاكروا يومًا السنن، فقال رجل كان في المجلس: "ليس العمل على هذا"، فقال عبد الله: "أرأيت ان كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام فهم الحجة على السنة"؟! فقال ربيعة: "أشهد أن هذا لكلام أبناء الأنبياء". (وبعد). فهذا بحث جامع في "مسائل اللحية" أقدمه ممتثلا قول رب العالمين ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، بعد أن مست الحاجة اليه، وقد كادت السنن تطفىء نورها المحدثات والبدع، وتكاثرت المخالفات الشرعية وعم ضررها واستطار شررها ودام الانكباب على العمل بها مع السكوت على الإنكار لها حتى صارت كأنها سنن مقررات، وشرائع من صاحب الشرع محررات، يفنى عليها الكبير، ويكبر عليها الصغير. والسعيد الموفق من أحيا السنة، ودعا إلى الله ﷿ واستوى عنده مادحه في الحق وذامه، وخالف ما اعتاد الناس وإن أدعوا أنهم على الجادة، غير مبال بما يرمونه به من التنطع في العمل والتشدد في الدين، فذلك قليل من كثير كان يقاسيه الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، المتمسكون بدين الله من التشنيع والتقبيح وضروب الأذى والتعنيف. وقد روى عن خير التابعين أويس القرني ﵀ أنه قال: "إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدعا للمؤمن صديقًا، نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا، ويجدون على ذلك أعوانا من الفاسقين، حتى- والله- لقد رموني بالعظائم، وأيم الله لا أع أن أقوم فيهم بحقه". واليوم ونحن نقدم هذه الرسالة نصيحة للمسلمين، نؤكد أن قضية اللحية حكم فرعي، لكنه يندرج تحت أصل كلي غفل عنه الكثيرون، ألا وهو طاعة رسول الله ﷺ طاعة مطلقة بامتثال كل ما به أمر، والانتهاء عن كل ما عنه زجر.

1 / 4

ومما يؤكد بإلحاح ضرورة نشر مثل هذا المبحث -وإن كان هناك قضايا عامة هي أخطر منه في واقع المسلمين اليوم- ما يقع من بعض المثبطين من استخفاف واستهزاء بهذه الشعيرة الإسلامية، ووصفها بما لا يليق أن يوصف به أمر تكلم فيه رسول الله ﷺ بل أمر به وأوجبه • وما يقع من بعض المتفرنجين من استحسان هدى المشركين فى حلق اللحى واستقباح سنة من هديه خير الهدى ﷺ • وما يقع من شبهات عقلية سقيمة أو علمية واهية يتذرع بها من ينتسبون إلى العلم الشريف، ويذيعونها في الناس ليبرروا واقعهم المخالف لشرع الله ﵎، وهؤلاء ينظر لهم العوام على أنهم القدوة، فيقلدونهم ويحتجون بسلوكهم. • وما يقع من ضغوط يمارسها بعض الآباء على أبنائهم الذين يحرصون على طاعة رسول الله ﷺ وامتثال أمره، بدلًا من أن يعينوهم على التقوى والنجاة. • وما يقع من اضطهاد لمن يحي هذه السنة الواجبة في كثير من الهيئات خاصة القوات المسلحة، حيث يقدس المسئولون فيها أوامر كبرائهم بحلق لحى المجندين، ويحاكمون من يخالفها، ويعاقبونه بالسجن والاضطهاد والأذى في حين لا تصغى منهم أذن لأمر سيد ولد آدم ﷺ بإعفاء اللحى، غير مبالين بما ورد في اضطهاد المسلم لأجل تدينه من التهديد الأكيد، والوعيد الشديد في الدنيا والآخرة. وإن تعجب فعجب قولهم: "أنت حر ما لم تضر" وأعجب منه أنهم ينقضون هذا المبدأ ويتدخلون في حرية الغير، وإن كانت لا تضرهم .. وهذه "الأكذوبة" المسماة "بالحرية الشخصية" لماذا تمنح للفتاة المتهتكة المتبرجة التي هي في الحقيقة جرثومة ضارة بكل مجتمع تمر به، وتمنح للشباب الضائع الذي يتشبه تارة بالنساء وتارة بالكفار، ليس في مظهره فحسب لكن في فكره وأخلاقه وجوهره.

1 / 5

كل هؤلاء تحترم وتقدس حريتهم الشخصية، إلا طائفة واحدة تحرم من هذا الحق ويضطهدون إذا مارسوه. وهم أهل الحق أهل الكتاب والسنة أتباع سيد المرسلين ﷺ، وإذا كان هؤلاء يدعون إلى الاهتمام بالجوهر وعدم التركيز على المظهر، فلماذا يشغلون أنفسهم بمظهر هؤلاء المتمسكين بدينهم ويعرضون عن جوهرهم؟ ويستغلون سلطتهم ويكملون نقصهم ويفرغون انهزامهم الداخلي عن طريق الأوامر واللوائح التي ما أنزل الله بها من سلطان بدل أن يتوبوا إلى ربهم ويقلعوا عن غيهم: اتقوا الله يا غواة قليلا .... واخلعوا العار عنكم والشنارا ورحم الله عبدًا بلغه الحق فانصاع، ولم يعده إلى التكذيب والابتداع، قال ﷿: ﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. وقد سبق أن طبعت هذه الرسالة مرات أربعًا كانت الأولى منها في ذي الحجة ١٣٩٦هـ، وقد أعيد النظر فيها، فزيدت، وهذبت، وصححت، ورتبت، ثم ألحق بها -تتميمًا لفائدتها- بحث في دحض بدعة تقسم الدين إلى قشر ولباب التي يتخذها الجهال ذريعة إلى إهدار الظاهر، احتجاجًا بصلاح الباطن، وكذبوا لو صلحت قلوبهم لصلحت ظواهرهم، والله الموفق. هذا وقد سألت جامع الناس ليوم لا ريب فيه، أن يجمع أهواءنا المتفرقة في أودية الدنيا على ما يزلف لديه ويرضيه، ويخلص أعمالنا لوجهه، وما لم يكن منها له فيصرفه لذلك بلطفه وتلافيه، وأن يختم لي ولسائر إخواني المسلمين بالخاتمة الحسنى قبل انخرام الأجل وفراق الدنيا، وأن يستعملنا بما علمنا ما دام العمل يمكننا، وصلى الله على رسوله وآله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

1 / 6

تعريفات أصولية (١) ١ - الحكم الشرعي: هو خطاب الشارع المتعلق بفعل المكلف من حيث إنه مكلف به بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع. والمراد من "خطاب الشارع" الوصف الذي يعطيه الشارع لما يتعلق بأفعال المكلفين، كأن يقال: إنه حرام أو مكروه أو مطلوب أو مباح أو صحيح أو باطل، أو هو شرط أو سبب أو مانع ... الخ. ومعنى كلمة "اقتضاء" أي طلب سواء كان الطلب فعل أو طلب منع، فالحرام فيه طلب منع لازم، والوجوب فيه طلب فعل لازم. "والتخيير" هو أن الشارع أجاز للمكلف أن يفعل أو لا يفعل مثل الأكل أو النوم في وقت معين، ونحو ذلك من الأفعال المعتادة التي لا يتعين عليه واحد منها، وإن كانت جملتها مطلوبة. "والوضع" هو ربط الشارع بين أمرين مما يتعلق بالمكلفين مثل الربط بين الوراثة ووفاة شخص فتكون وفاته سببًا لوراثة آخر، أو يربط بين أمرين بحيث يكون أحدهما شرطا شرعيًا لتحقق الآخر وترتيب آثاره كالوضوء للصلاة وكاشتراط الشهود للنكاح، وأقسام خطاب الوضع أربعة: العلل، والأسباب، والشروط، والموانع. ويسمى الحكم الشرعي إذا كان فيه اقتضاء أو تخيير حكمًا تكليفيًا، وإذا كان فيه ربط بين أمرين حكمًا وضعيًا. ٢ - الواجب: مرادف للفرض عند الجمهور، وهو ما طلب على وجه اللزوم فعله بحيث يأثم تاركه، وقال الآمدي: الوجوب الشرعي عبارة عن خطاب الشارع بما ينتهض تركه سببًا للذم شرعًا. ٣ - المندوب: هو ما طلب الشارع فعله طلبًا غير لازم، أو ما يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه، أو هو ما يمدح فاعله، ولا يذم الشارع تاركه، أو

(١) مستفادة من "أصول الفقه" لأبي زهرة، ومذكرة الشنقيطي على "روضة الناظر لابن قدامة".

1 / 7

هو الراجح فعله مع جواز تركه، وقد يسمى النافلة والسنة (١)، والتطوع والمستحب والإحسان. ٤ - الحرام: وهو ضد الواجب، وهو ما في تركه الثواب وفي فعله العقاب، أو هو ما طلب الشارع الكف عن فعله على وجه الحتم واللزوم. ٥ - المكروه: هو ما تركه خير من فعله، أو هو ما طلب الشارع الكف عنه طلبًا غير ملزم، وقد يطلق "المكروه" على المحظور، وعلى ما نهي عنه نهي تنزيه، فلا يتعلق بفعله عقاب، وعند الجمهور: لا يذم فاعله ويمدح تاركه.

(١) السنة: تعنى في اللغة الطريقة ولو غير مرضية، أما في الشرع فهي تقال في مقابلة البدعة، على الطريقة المسلوكة في الدين بأن سلكها النبي ﷺ والسلف الصالح من بعده، مثال ذلك قوله ﷺ: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ" الحديث رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح، وهي على هذا المعنى شاملة للواجب والمندوب والمباح، سواء في الأعمال أو الأقوال أو الاعتقادات، أما تخصيص الفقهاء لها بما طلب طلبًا غير جازم، فهو اصطلاح طارئ قصدوا به التمييز بينها وبين الفرض، فعلى ذلك إذا وصف إعفاء اللحية بأنه سنة فالمقصود من ذلك المعنى الشرعي وهو الطريقة المحمودة، أي طريقة ونهج الرسول ﷺ، أما صفته من الناحية الفقهية فهو واجب ليس بسنة، وراجع تحقيق هذا المعنى في "العدة" حاشية الصنعاني على "أحكام الأحكام" لابن دقيق العيد (١/ ٣٥٣ - ٣٥٧) وكذا "تحفة المودود بأحكام المولود" لابن القيم (ص-١٧٦ - ١٧٧).

1 / 8

المبحث الأول أدلة تحريم حلق اللحية فصل الأمر حقيقة في الوجوب (١) ذهب الجمهور إلى أن صيغة الأمر حقيقة في الوجوب لغة وشرعًا ومن حيث العقل والنقل، فإذا ورد الأمر متجردًا عن القرائن اقتضى الوجوب. أما العقل: فما علم أهل اللغة قبل ورود الشرع أنهم أطبقوا على ذم عبد لم يمتثل أمر سيده، وأنهم يصفونه بالعصيان ولا يذم ولا يوصف بالعصيان إلا من كان تاركًا لواجب عليه. وأما النقل: فقت تكرر استدلال السلف بصيغة الأمر مع تجردها عن القرائن على الوجوب، وشاع ذلك وذاع بلا نكير، فأوجب العلم العادي باتفاقهم عليه، وبالتتبع يعلم أن فهم الوجوب لا يحتاج إلى قرينة لتبادره إلى الذهن، بخلاف فهم الندب فإنه يحتاج اليه، واستدلوا بالأدلة الآتية: ا- قوله تعالى لإبليس: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾؟ (٢). وليس المراد منه الاستفهام بالاتفاق، بل الذم، وأنه لا عذر له في الإخلال بالسجود بعد ورود الأمر به له في ضمن قوله تعالى للملائكة: ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ (٣). دل ذلك على أن معنى الأمر المجرد عن القرائن الوجوب، ولو لم يكن دالًا

(١) مستفاد من إرشاد الفحول (٩٤ - ٩٧)، مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر للشنقيطي (١٩١ - ١٩٢). تفسير النصوص لمحمد أديب صالح (٢/ ٢٤١ - ٢٨٣). (٢) الأعراف: ١٢. (٣) البقرة: ٣٤.

1 / 9

على الوجوب لما ذمه الله ﷾ على الترك، ولكان لإبليس أن يقول: "إنك ما ألزمتني بالسجود". ٢ - واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ﴾ (١). فذمهم على ترك فعل ما قيل لهم افعلوه، ولو كان الأمر يفيد الندب لما حسن هذا الكلام، كما لو أنه قال لهم: الأولى أن تفعلوا، ويجوز لكم تركه، فإنه ليس له أن يذمهم على تركه. ٣ - واستدلوا أيضًا بقوله ﷿: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ أي يعرضون عنه بترك مقتضاه ﴿أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (٢). لأنه رتب على ترك مقتضى أمره إصابة الفتنة في الدنيا أو العذاب الأليم في الآخرة، فأفادت الآية بما تقتضيه إضافة الجنس في قوله "أمره" من العموم أن لفظ الأمر يفيد الوجوب شرعًا مع تجريده عن القرائن، اذ لولا ذلك لقبح التحذير. ٤ - واستدلوا أيضًا بقوله ﵎ على لسان موسى ﵇: مخاطبًا أخاه هارون ﵇ ﴿قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ (٣). أي تركت مقتضاه، فدل على أن تارك المأمور به عاص، وكل عاص متوعد، وهو دليل الوجوب لهذه الآية. ولقوله: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ (٤)، والأمر الذي أمره به موسى ﵇ هو قوله: ﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي﴾ (٥). وهو أمر مجرد عن القرائن.

(١) المرسلات: ٤٨. (٢) النور: ٦٣. (٣) طه: ٩٢ - ٩٣. (٤) الجن: ٢٣. (٥) الأعراف: ١٤٢.

1 / 10

٥ - واستدلوا أيضًا بقوله ﷾: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ (١). والقضاء هنا بمعنى الحكم، و(أمرًا) مصدر من غير لفظه أو حال أو تمييز ولا يصح أن يكون المراد بالقضاء ما هو المراد في قوله تعالى: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ (٢). لأن عطف الرسول عليه يمنع ذلك، فتعين أن المراد الحكم، والمراد من الأمر القول لا الفعل. ٦ - واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (٣). والمراد منه الأمر حقيقة، وليس بمجاز عن سرعة الإيجاد كما قيل، وعلى هذا يكون الوجود مرادًا بهذا الأمر، أي أراد الله كلما وجد الأمر يوجد المأمور به، فكذا في كل أمر من الله تعالى ومن رسوله ﷺ. ٧ - واستدلوا أيضًا بما صح عنه ﷺ من قوله: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» (٤). وكلمة لولا تفيد انتفاء الشئ لوجود غيره، فهنا تفيد انتفاء الأمر لوجود المشقة، فهذا يدل على أنه لم يوجد الأمر بالسواك عند كل صلاة، والإجماع قائم على أنه مندوب، فلو كان المندوب مأمورا به لكان الأمر قائما عند كل صلاة، فلما لم يوجد الأمر علمنا أن المندوب غير مأمور به. ٨ - واستدلوا أيضا بما وقع في قصة بريرة لما رغبها رسول الله ﷺ في الرجوع إلى زوجها فقالت: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «إِنَّمَا

(١) الأحزاب: ٣٦. (٢) فصلت: ١١. (٣) النحل: ٤٠. (٤) أخرجه البخاري ومسلم ومالك في موطئه وأحمد في مسنده والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة ﵁، وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن زيد بن خالد الجهنى ﵁.

1 / 11

أَشْفَعُ»، قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ (١) فنفى ﷺ الأمر منه مع ثبوت الشفاعة الدالة على الندب، وذلك يدل على أن المندوب غير مأمور به، وإذا كان كذلك وجب أن يتناول الأمر الندب. ٩ - واستدلوا أيضًا بأن الصحابة ﵃ كانوا يستدلون بالأوامر على الوجوب، ولم يظهر مخالف منهم ولا من غيرهم فكان إجماعًا. فصل أمر الرسول ﷺ بإعفاء اللحى وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عدة من الصحابة رضوان الله عليهم منهم أبو هريرة ﵁ وابن عمر ﵄ أمر رسول الله ﷺ بإعفاء اللحى. وقد روى مسلم عن ابن عمر ﵄ قوله "أمرنا بإعفاء اللحية". وورد هذا الأمر بألفاظ مختلفة عدها النووي ﵀ فبلغت خمسة، وهي قوله ﷺ: (اعفوا)، (أوفوا)، (أرخوا)، (ارجوا)، (وفروا) والأمر بهذا يفيد وجوب المأمورية بحيث يثاب فاعله ويعاقب تاركه، وليست هناك قرينة تصرفه إلى الندب، ومنه يعلم أن حلق اللحية مخالفة صريحة لأمر رسول الله ﷺ. واعلم أن شبهة القائلين بكراهة حلق اللحية اعتقادهم أن الأمر لغير الوجوب وقد علمت ما فيه (٢).

(١) رواه البخاري في صحيحه وابن ماجة. قال الحافظ في الفتح (٤٠٩/ ٩): (وعند ابن مسعود من مرسل ابن سيرين بسند صحيح. فقالت: يا رسول الله أشيء واجب علي؟ قال: لا) أهـ. (٢) وأنظر تحقيق هذه المسالة في "تفسير النصوص" للدكتور محمد أديب صالح (٢٦٤/ ٢ - ٢٧٥).

1 / 12

(فائدة) ويمكن الاستدلال على الوجوب أيضًا بالنهي الوارد بصيغة الأمر، فإن النهى هو طلب الكف عن الفعل، وقد ورد النهي بصيغة الأمر، فقوله ﷺ: "اعفوا" معناه: اتركوها وافية لا تقصوها كما قال الإمام النووي ﵀ (١) في تفسير "اعفوا"، ونقل ابن حجر عن ابن دقيق العيد قوله: "حقيقة الإعفاء الترك" (٢). فالإعفاء طلب للترك فهو نهى، والنهي يلزم اجتنابه قال تعالى: ﴿وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ (٣). وقال ﷺ: "مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ" (٤). وقد ذهب الجمهور من أهل الأصول ومن الحنفية والشافعية والمحدثين إلى أن الشيء المعين إذا أمر به كان ذلك الأمر نهيًا عن الشيء المعين المضاد له (٥) سواء كان الضد واحدًا -كما إذا أمره بالإيمان فإنه يكون نهيًا عن الكفر، وإذا أمره بالحركة فإنه يكون نهيًا عن السكون- أو كان الضد متعددا كما إذا أمره بالقيام فإنه يكون نهيا عن القعود والاضطجاع والسجود وغير ذلك، فالكف عن الضد لازم للأمر لزوما لا ينفك، إذ لا يصلح الأمر بحال إلا مع الكف عن ضده، فالأمر مستلزم ضرورة النهي عن ضده لاستحالة اجتماع الضدين. والحاصل أن الأمر بإعفاء اللحية يفهم منه النهي عن حلقها واستئصالها أو تقصيرها بحيث تكون قريبة إلى الحلق، والعلم عند الله تعالى. وإذا كان النهي عن إزالة اللحية مأخوذا هنا بطريق الالتزام، إلا أنه ورد ما يشعر بالنهي الصريح في حديث أبي ريحانة ﵁ قال: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ عَشْرَةٍ: عَنِ الْوَشْرِ، وَالْوَشْمِ، وَالنَّتْفِ" الحديث (٦).

(١) شرح النووي لصحيح مسلم (١٥١/ ٣). (٢) فتح الباري (١٠/ ٣٥١). (٣) الحشر: ٧. (٤) متفق عليه وهذا اللفظ لمسلم. (٥) إرشاد الفحول (١٠١ - ١٠٥). (٦) رواه أبو داود والنسائي.

1 / 13

قال القارئ في مرقاة المفاتيح (١): ("والنتف" أي وعن نتف النساء لشعورهن من وجوههن أو نتف اللحية أو الحاجب بأن ينتف البياض منهما أو نتف الشعر عند المصيبة) اهـ. وإذا صح القول بأن حلق اللحية مثله -كما يفهم من قول الإمام مالك وغيره- فإن النهى الصريح عن الحلق يستفاد من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري ﵁ قال: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ النُّهْبَى وَالْمُثْلَةِ" (٢). وفي حديث سمرة بن جندب وعمران بن حصين قالا: "مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خُطْبَةً، إِلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ، وَنَهَانَا عَنِ الْمُثْلَةِ" (٣). وروى ابن عساكر عن عمر بن عبد العزيز ﵁ أنه قال: "إن حلق اللحية مثله، وأن رسول الله ﷺ نهى عن المثلة" اهـ.

(١) مرقاة المفاتيح (٢/ ٤٣٣). (٢) أخرجه البخاري وأحمد، وابن أبي شيبة بدون ذكر "النهي". (٣) أخرجه الإمام أحمد وقال الألباني (إسناده جيد).

1 / 14

فصل تحريم تشبه المسلمين بالكفار (١) تقرر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين رجالًا ونساء التشبه بالكفار سواء في عبادتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم، وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية خرج عنها اليوم -مع الأسف- كثير من المسلمن جهلا بدينهم، أو تبعا لأهوائهم، أو انحرافا مع عادات العصر الحاضر وتقاليد أوروبا الكافرة، حتى كان ذلك من أسباب ذل المسلمين وضعفهم وسيطرة الأجانب عليهم واستعمارهم: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (٢). ومما ينبغي أن يعلم أن أدلة هذه القاعدة المهمة كثيرة في الكتاب والسنة، ومن أدلة الكتاب قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (٣). ومنها قوله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (٤). يخبر تعالى أنه جعل رسوله ﷺ على شريعة من الأمر شرعها له، وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقد دخل في "الذين لا يعلمون" كل من خالف شريعته، و"أهواؤهم" ما يهوونه، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع

(١) هذا الباب مستفاد باختصار من (الحجاب) للشيخ ناصر الدين الألباني. (٢) الرعد: ١١. (٣) الحشر:١٩. (٤) الجاثية: ١٨.

1 / 15

ذلك فهم يهوونه، وموافقتهم فيه: اتباع لما يهوونه، ولذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين لهم في بعض أمورهم، ويسرون بذلك، ويودون أن لو بذلوا مالا عظيما ليحصل ذلك. وقال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ (١). قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى (٢): (فقوله "ولا يكونوا" نهي مطلق عن مشابهتهم، وهو خاص أيضا في النهى عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي) اهـ. قال الحافظ ابن كثير ﵀ عند تفسير هذه الآية (٣): "ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية، اهـ. وفي الباب آيات أخر كثيرة وفيما ذكرنا كفاية. فتبين من هذه الآيات أن ترك هدي الكفار والتشبه بهم في أعمالهم وأقوالهم وأهوائهم من المقاصد والغايات التي أسسها، وجاء بها القرآن الكريم، وقد قام ﷺ ببيان ذلك وتفصيله للأمة، وحققه في أمور كثيرة من فروع الشريعة. قال ﷺ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ عَمِلَ بِسُنَّةِ غَيْرِنَا" (٤). حتى عرف ذلك اليهود الذين كانوا في مدينة النبي ﷺ وشعروا أنه ﷺ يتحرى أن يخالفهم في كل شئونهم الخاصة بهم فقالوا: "مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا

(١) الحديد: ١٦. (٢) اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ص٤٣، وهذا الكتاب من نفائس شيخ الإسلام الذي يجدر بكل مؤمن قرائته في مثل هذا الزمان. (٣) تفسير القرآن العظيم (٤/ ٣١٠). (٤) رواه الديلمي في "مسند الفردوس" وحسنه الألباني.

1 / 16

فِيهِ؟ " (١). وهذا لا ينحصر في باب واحد من أبواب الشريعة المطهرة كالصلاة مثلًا، بل قد تعداها إلى غيرها من العبادات والآداب والعادات، وهذا بعضها مسوق بين يديك لتكون على بصيرة وتقف على أهمية هذا الأمر: (أ) (من الصلاة): عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: اهْتَمَّ النَّبِيُّ ﷺ لِلصَّلَاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا، فَقِيلَ لَهُ: انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، قَالَ: فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ - يَعْنِي الشَّبُّورَ وَقَالَ زِيَادٌ: شَبُّورُ الْيَهُودِ (٢) - فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، وَقَالَ: «هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ» قَالَ: فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ، فَقَالَ: «هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى» فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأُرِيَ الْأَذَانَ فِي مَنَامِهِ" (٣) الحديث. ومن هذا الباب ما ثبت عن عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ وَأَجْهَلُهُ أَخْبِرْنِي عَنِ الصَّلَاةِ فَقَالَ: «صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتَرْتَفِعَ؛ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَالصَّلَاةُ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ؛ فَإِنِّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمَ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ؛ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ" (٤). ومن ذلك ما رواه جندب بن عبد الله البجلي ﵁ قال سمعت رسول الله ﷺ قبل أن يموت بخمس وهو يقول: " ... ألا

(١) أخرجه مسلم وأبو عوانة في صحيحهما وقال الترمذي: حسن صحيح وأخرجه غيرهم من حديث أنس بن مالك ﵁. (٢) هو البوق. (٣) أخرجه أبو داود وأنظر تلخيص الحبير (٢٠٩/ ١). (٤) أخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحهما".

1 / 17

وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ، عَنْ ذَلِكَ" (١). ومن ذلك ما رواه يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ، وَلَا خِفَافِهِمْ" (٢). ومن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله عنه ﷺ أنه قال: "إِنْ كِدْتُمْ لَتَفْعَلُوا فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ، يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ، فَلَا تَفْعَلُوا" (٣). الحديث، وعن ابن عمر ﵄ أن النبي ﷺ نهى رجلا وهو جالس معتمد على يده اليسرى في الصلاة فقال: "إِنَّهَا صَلَاةُ الْيَهُودِ" (٤). وفي رواية: "لَا تَجْلِسْ هَكَذَا، إِنَّمَا هَذِهِ جِلْسَةُ الَّذِينَ يُعَذَّبُونَ" (٥). (ب) (ومن الجنائز): ما رواه جرير بن عبد الله ﵁ قال رسول الله ﷺ: "اللَّحْدُ لَنَا، وَالشَّقُّ لِأَهْلِ الْكِتَابِ" (٦). (ج) (ومن الصوم): ما رواه عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ فَصْلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ» (٧). وما رواه أبو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «لَا

(١) أخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحهما" وابن سعد. (٢) أخرجه أبو داود والحاكم في مستدركه والبيهقي في سننه. (٣) حديث مستفيض عن جابر ﵁ أخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحهما". (٤) أخرجه الحاكم وغيره. (٥) أخرجه الإمام أحمد. (٦) أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" وأحمد وغيرهما. (٧) أخرجه مسلم وأصحاب السنن وأحمد.

1 / 18

يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ، لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ" (١). وعَنْ لَيْلَى، امْرَأَةِ بَشِيرٍ قَالَتْ: أَرَدْتُ أَنْ أَصُومَ يَوْمَيْنِ مُوَاصِلَةً، فَمَنَعَنِي بَشِيرٌ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْهُ وَقَالَ: " يَفْعَلُ ذَلِكَ النَّصَارَى، وَقَالَ عَفَّانُ: يَفْعَلُ ذَلِكَ النَّصَارَى، وَلَكِنْ صُومُوا كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ، وَأَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ فَأَفْطِرُوا" (٢). وعن بْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ صُمْنَا يَوْمَ التَّاسِعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ" (٣). وعن أُمَّ سَلَمَةَ، تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُ يَوْمَ السَّبْتِ وَيَوْمَ الْأَحَدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَصُومُ مِنَ الْأَيَّامِ، وَيَقُولُ: «إِنَّهُمَا يَوْمَا عِيدِ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ» (٤). (د) (ومن الأطعمة): ما رواه عدى بن حاتم قال: "قلت: يا رسول الله، إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ طَعَامٍ لَا أَدَعُهُ إِلَّا تَحَرُّجًا، قَالَ: «لَا تَدَعْ شَيْئًا ضَارَعْتَ فِيهِ نَصْرَانِيَّةً» (٥) والمعنى: لا تتحرج فإنك إن فعلت ذلك، شابهت فيه النصرانية، فإنه من دأب النصارى وترهبهم. (هـ) (ومن اللباس والزينة):

(١) رواه الترمذي والإمام احمد، وأبو داو والحاكم وابن ماجة وحسنة الألباني. (٢) أخرجه الإمام أحمد وكذا سعيد بن منصور، وعزاه الحافظ في "الفتح" للطبراني أيضا، وعبد بن حميد وابن ابي حاتم في تفسيرهما. (٣) أخرجه مسلم والبيهقي وغيرهما. (٤) أخرجه الإمام أحمد والحاكم والبيهقى، وقال الحاكم "صحيح"، ووافقه الذهبي، وصححه ابن خزيمة. (٥) أخرجه الإمام أحمد والبيهقي والترمذي.

1 / 19

ما رواه عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، إِنَّ هَذِهِ ثِيَابُ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا» (١). وفي كتاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ إلى عتبة بن فرقد ﵁: " ... وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ، وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَلَبُوسَ الْحَرِيرَ ... " (٢). وعن علي ﵁ رفعه: «إِيَّاكُمْ وَلِباسَ الرُّهْبَانِ، فَإِنَّهُ مَنْ تَرَهَّبَ أَوْ تَشَبَّهَ فَلَيْسَ مِنِّي» (٣). وعن أبي أمامة ﵁ قال: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى مَشْيَخَةٍ مِنَ الْأَنْصَارٍ بِيضٌ لِحَاهُمْ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ حَمِّرُوا وَصَفِّرُوا، وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ». قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَ وَلْا يَأْتَزِرُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَسَرْوَلُوا وَائْتَزِرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ». قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَخَفَّفُونَ وَلَا يَنْتَعِلُونَ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «فَتَخَفَّفُوا وَانْتَعِلُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ». قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَقُصُّونَ عَثَانِينَهُمْ (٤) وَيُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ (٥). قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ» (٦). وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَوْفُوا اللِّحَى» (٧).

(١) أخرجه مسلم والنسائي والحاكم وأحمد. (٢) متفق عليه. (٣) أخرجه الطبراني في الأوسط. (٤) العثانين: جمع عثنون وهي اللحية. (٥) السبال: جمع "سبلة" بالتحريك وهي الشارب. (٦) أخرجه الإمام أحمد، وحسنه الحافظ في الفتح، وقد ذكر الهيثمي له شاهدا من رواية جابر بن عبد الله عند الطبراني قال في آخره: "وخالفوا أولياء الشيطان بكل ما استطعتم". (٧) أخرجه البخاري ومسلم وأبو عوانه والبيهقي.

1 / 20