فسكت الاثنان هنيهة، ثم قال جورجي: قد أصبحت رجلا شريرا يا يوسف ، فلماذا تحاول عبثا أن تشتق مني رجلا طيبا، لا طيب من الخبيث. - لا بد أنك كنت قبلا رجلا طيبا، فليس مستحيلا أن تعود إلى أصلك، فأصل الشوكة بزرة في وردة ثم نضجت فأزهرت وردة أيضا.
فبقي جورجي ساكتا هنيهة، ثم وقف يريد الخروج، فقال له يوسف: إذا قررتم تنفيذ قضائكم علي فلي عليكم شرط واحد. - ما هو؟ - هو أن تنفذ القضاء أنت وحدك. - تعني أنك تريد أن تجمع كل الجمر على رأسي. - لا، بل أريد ألا تمتد إلي يد دنسة، فهل عندكم فرق إذا كان الموت واحدا؟
ففتح جورجي الباب، فقال له يوسف: أرجو منك معروفا واحدا. - ما هو؟ - هو ألا تدعني أرى غيرك.
فأقفل جورجي الباب وهو يكفكف دموعه.
الضمير المستتر
بعد حين كان جورجي وجميل مرمور في حانة سفنكس بار، فقال جورجي: لقد أنجزت مهمتي يا جميل، وخدمتكم خدمة لا يخدمها سواي، فأين بقية الألف وخمسمائة جنيه؟ - ولكن الفتاة لم تعد بعد. - ليس هذا شأني، علام اتفقنا؟ - على تسليم الفتى، فلا أنكر. - لقد سلمته فأود أن تبروا بوعدكم.
فضحك جميل قائلا: لك حق، هذا تحويل بقيمة السبعمائة والخمسين جنيها الباقية، ولكن لم نزل في حاجة إليك. - إني مستعد لكل خدمة، ولكل خدمة ثمن. - لا يبخل فهيم بك بثمن. - إذن نشرب كأسين على حسابي.
وبعد أن تساقيا هنيهة قال جورجي: إني أستغرب بذل فهيم بك الجزيل لأجل هذه الفتاة، ويظهر أنها نافرة والفتى الذي يخفيها عنيد لا يود أن ينم عن مقرها. - أما هي فلا بد أن تلين، أما الفتى فمتى أحس بالتعذيب يقر. - ولكني لا أفهم لماذا لا يكل فهيم عن طلبها والحسان كثيرات؟ - لا يكل عن طلب هيفاء مهما بذل حتى ولو تزوجها فعلا زواجا شرعيا. - إذن يحبها حبا مفرطا؟
فقهقه جميل وقال: وهل مثل فهيم بك يحب كما تعني؟ - إذن لماذا هذا الحرص عليها؟ - له مصلحة كبيرة.
ففتح جورجي عيني بصيرته، وقال: لا بد أن تكون المصلحة مالية؛ لأني أعرف أن فهيم بك لا يهمه قبل شهواته إلا المال. - لقد حزرت يا شقي. - إذن الفتاة غنية. - جدا. - ليتني طلبت جزاء أكثر بدل تسليم يوسف براق. - يكون لك جزاء مضاعف إذا استطعت أن تضع الفتاة وفهيم تحت يدي الكاهن. - قد أستطيع، ولكني لا أفهم كيف أن الفتاة غنية، وهي وأمها تعيشان على حساب فهيم بك كالحلم على الشجر، أفلا تدري الفتاة أنها غنية؟ - ولا أمها تدري بذلك أيضا. - كيف درى به فهيم بك؟ - أراك تتمادى في اكتشاف الأسرار يا جورجي فأقصر. - يا لله! وهل بيني وبينك أسرار؟ أما أطلعتك على أسراري؟ ... ولكن حاذر يا مرمور أن تبوح بأسراري لأحد؛ لئلا تكون نقمتي منك لا تطاق، وأنا أعدك أني لا أبوح بسر من أسرارك. - اتفقنا على الكتمان، ولكن هذا السر لا يهمك. - الحق أنه لا يهمني، ولكني لا أود أن أقف عند لغز ولا أحله. - وماذا يفيدك حله؟ - قد يفيدني في البحث عن الفتاة، يمكن أن أتوسم منه ما يرشدني إلى وسيلة لمعرفة مقرها، فقل لي كيف عرف فهيم بك أن للفتاة ثروة طائلة وهي وأمها لا تعرفان؟ - لاحظت أن أخاه أو بعض ذويه في سوريا كتب إليه في ذلك، وفهمت من خلال حديث فهيم أن كاهنا جاء إلى القاهرة ليبحث عن الفتاة؛ لأنه ظهر لها ميراث كان مجهولا. - إذن فهيم ومن كتب له يعرفان نسب الفتاة المجهول ويعلمان أنها غنية؟ - أراك تحاول أن تسرقني يا شيطان. - لا والله، وأي مأرب لي من سرقة أسرارك، بيد أني أود الاطلاع على كل الحقائق المتعلقة بالفتاة حتى يسهل علي البحث عنها، ففهيم إذن يعرف أصلها وفصلها أكثر منها ومن أمها؛ لأن الميراث يتوقف على النسب، فإذا كان ذاك مجهولا؛ فلأن هذا مجهول أيضا. - الحق لا أدري؛ لأني لا أعرف كل أسرار فهيم، وهو على ما يلوح لي جعبة أسرار، وإنما لاحظت أنه يعرف عن خصائص الفتاة ما لا تعرفه هي ولا أمها، والأرجح أن أمها لا تعلم شيئا عن هذا الميراث.
अज्ञात पृष्ठ