فهزت ليلى كتفيها قائلة: يعرف شأنه. - بالطبع يعرف شأنه؛ ولكني وددت أن أعلمك حقيقة فيلسوفك الذي تطنبين بمقالته، وما هي إلا كلام لا وزن له كوزن أثيره.
فضحكت ليلى، وقالت: وتريد أيضا أن تمحق علمه وفضائله كما تمحق مستقبله. - وتقولين: فضائله أيضا؟ - نعم؛ فإن مبادئه العلمية والفلسفية هي أم الفضيلة.
فقهقه صديق، وقال: إنك مغرورة جدا، بل مخدوعة بعلمه ومعارفه؛ فهي لم تثمر إلا الرذائل.
فعبست ليلى قائلة: لا تنم بالرجل وهو غائب. - ليته حاضر الآن فأستجوبه عن سيرته أمامك، ومهما بالغ في الإنكار تنفضح منكراته. - يا لله! تعزو للرجل منكرات أيضا! - إذا كان قد اختطف الفتاة هيفاء التي كانت خادمة عندك، واحتظاها في مكان مجهول، وأهلها يبحثون عنها، وهو ينكر علاقته بها، أفلا تعدين هذا منكرا؟
فانتفضت ليلى وامتقع وجهها، وبقيت صامتة هنيهة ثم قالت: إنك تمين الآن يا صديق.
فضحك صديق وقال: إن كنت أمين فسينفضح ميني، وإذا شئت أن تتحققي صحة قولي فابحثي عن الفتاة، فإذا وجدتها كان لك من أهلها الجزاء. - إذا كانت الفتاة مختفية من وجه أهلها؛ فلأن أمها تريد أن تزوجها ممن لا تريده زوجا؛ ولهذا فرت من عند أمها وخدمت عندي، وهي - والحق يقال - أنبل من أن تكون خادمة. - لماذا لم تبق خادمة عندك؟ - لعلها علمت أن أمها أوشكت أن تهتدي إليها ففرت إلى مكان آخر؛ حيث تبالغ بالتخفي. - نعم، تبالغ بالتخفي؛ لأنها تستحي أن تقول لك: إنها خليلة يوسف براق.
فانتفضت ليلى، وقالت: متى عرفته وعرفها حتى يكونا خليلين؟ - عرفته وعرفها قبل أن تعرفيها، والحب بينهما ليس جديدا؛ فقد كانا جارين يتغازلان من شباكيهما.
فازداد وجه ليلى امتقاعا، وبعد هنيهة قالت: كيف عرفت كل ذلك؟ - عرفته من كثيرين، وأخصهم صديقه جورجي آجيوس الرومي، هل اقتنعت أن فلسفة فيلسوفك لا تثمر فضيلة؟ - ماذا يهمني وماذا يهمك؟ - أود أن لا يهمك أمر هذا المجنون السافل، ولكن يسوءني أن تصرفي قلبك عني إليه إذا لم يكن لأجل نفسك فلأجل نفسي. - لأجل نفسك؟ - نعم، وهل تجهلين حبي لك يا ليلى؟
فبقيت صامتة إلى أن قال: أود أن تفكري يا ليلى عسى أن تري خطأك، واغترارك بما تتوهمينه من محاسن هذا الفتى، تصوري ماذا يقول عنك الناس إذا ... - إذا ماذا؟ - لا أود أن أمدح نفسي؛ ولا سيما لأنك تعرفينني معرفة القريبة للقريب، فماذا تريدين أن يكون من تبتغينه زوجا؟ أعالما؟ فلا أظن أن علم الطب وما يتصل به من العلوم أمر يخلو من الفخر، أديبا فاضلا؟ أنت تعرفين سيرتي ومكانتي بين الناس، غنيا؟ إني أغنى مما تتصورين فإذا صرت ربة بيتي كنت ملكة في مملكة واسعة، تحف بك بطانة كبطانة الملكات، تسكنين قصرا، ترفلين بالدمقس، تتحلين بأثمن الجواهر، تتزاورين مع الأميرات، فبماذا تطمعين بعد؟ - لا أطمع بشيء من ذلك. - إذن ما هي أمنيتك؟ - أمنيتي أن أكون سعيدة النفس. - أجعلك سعيدة النفس كما ترومين.
فبقيت ليلى صامتة إلى أن قال: هل حاسبت ضميرك؟ - حاسبته من زمان. - وماذا تقولين الآن بعد اطلاعك على هذه الحقائق؟ - اعتبرني غير موجودة وافعل ما يروق لك.
अज्ञात पृष्ठ