ابنة الزانية
في عصر ذلك النهار جاء جورجي إلى الفندق الذي كان يقطن فيه، فوجد في غرفته رسالة بلا طابع بريد كأنها جاءت مع رسول ففضها، وقرأ هكذا:
إن كاتبة هذه السطور تود أن تراك الساعة الخامسة في القهوة «...» وترجو أن لا تخيب قصدها، تعرفها حالما تراها إذ لا ترى غيرها هناك.
فتحير جورجي إذ لم ير توقيعا على الرسالة، ولكنه لم يتردد، بل ذهب في الميعاد، واستغرب إذ رأى ليلى هناك، فصافحها وجلس معها حيث جلست مرة مع يوسف كما يذكر القارئ، وقال باسما: كان يوسف يود أن ينال هذا الشرف يا مدموازال.
فانتفضت ليلى واكفهرت، وقالت: هل يريد يوسف أن يضاعف نقمته؟ كنت أظنه أرق قلبا.
فاستغرب جورجي هذا الجواب، وقال: ما ذنب يوسف حتى تتهميه بحب الانتقام يا سيدتي؟ - لم يشأ أن يتمهل يوما في الشماتة، فهل يستحل أن يوالي السهام على فتاة في ساعة واحدة؟ - لا أفهم ماذا تقولين يا سيدتي، هل قابلك يوسف اليوم؟ - رام أن يقابلني فلم أستطع أن أستقبله؛ لأني واهية القوى على أني سأستهدف لنقمته ما شاء.
فضحك جورجي قائلا: لم أعلم أن يوسف قصد إليك يا سيدتي، ولا علمت ما قصده، ولكني أؤكد أنك ظلمته بسوء ظنك فيه. - إن زيارته في مثل هذه الحال لا تفسر إلا بقصد الانتقام. - لا أدري ما هي هذه الحال التي تشيرين إليها.
فانسجم الدمع من عيني ليلى وهي تقول: تتجاهل وأنت «زنبلك» المسألة كلها؟ - إني «زنبلك» مسائل عديدة يا سيدتي، فلا أدري أيها تعنين؟ - أعني آخرة المسائل التي سقت فيها ابن خالي الدكتور صديق الهيزلي إلى السجن. - ما أنا سقته يا سيدتي، بل ساق نفسه وغيره، من قال لك: إني سقته؟ - تلك المرأة الساقطة التي لعبت بعقلها وبعقل ابنتها التي استراحت من شقاء هذا العالم، تلك الفاجرة قالت كل شيء. - تقولين: إن ابنتها استراحت من شقاء العالم؟ - نعم، توفيت اليوم، وبوفاتها عظم الخطب. - مسكينة مسكينة دعد! رحمة الله عليها، إني بريء من كل ما تنسبينه إلي يا سيدتي. - نعم، أنت بريء في نظر القضاء العالمي؛ لأنك اشتغلت من بعيد، ولكنك مجرم في نظر القضاء الإلهي. - أعلم كيف أبرئ نفسي أمام القضاء الإلهي يا سيدتي، ولكن إذا كنت تريدين أن تنوبي عن الله في القضاء علي فحاكميني إذا شئت. - معاذ الله أن أتجاسر هذه الجسارة. - إذن ماذا تطلبين مني؟ - أطلب منك أمرا واحدا، وهو أن تشهد أن صديقا لم يعرف منزل تلك الساقطة قبل أن استدعته لمعالجة ابنتها. - لا تعبأ المحكمة بهذه الشهادة يا سيدتي، فهل من شاهد يشهد أن لصديق يدا في المسألة، وأنا أمنعه من الشهادة؟ - فهيم بك رماح يشهد. - شهادته غير مقبولة؛ لأنه متهم أول فلا تخافي، هل يستطيع أحد آخر أن يشهد أنه رأى الدكتور صديقا يسلم فهيما دواء؟ - لا أدري، ولكن لا أظن. - إذن لا تخافي إلا إذا اعترف صديق. - لا أعتقد أن صديقا جاهل حتى يسلم نفسه. - إذن اطمئني يا سيدتي ولا تخافي. - ويلاه! كيف أستطيع الاطمئنان وصديق بين يدي القضاء الآن؟ كيف يمكن خلاصه؟ - لا تجزعي يا سيدتي، يخرج صديق من سجنه بريئا قبل أن يحين ميعاد قرانكما.
فهزت ليلى رأسها، وقالت: لا يهمني قران. - وإنما يهمك أن ينجو خطيبك، وبالطبع متى نجا تيسر القران. - قلت لك: لا يهمني قران، بل لا يهمني خطيب، وإنما يهمني أن ينجو الدكتور صديق الهيزلي من هذه الورطة، فهل تصنع معي معروفا بأن تفعل شيئا لخلاصه؟ - إن أمرك عجيب يا سيدتي؛ إذا كان لا يهمك قران ولا خطيب، فلماذا هذا القلق وذاك الجزع؟ لا أرى داعيا لإنكارك الرغبة في تخليص خطيبك، إني مستعد لكل خدمة لك إذا كانت في وسعي. - تستطيع أن تكون شاهدا من جملة الشهود، وتنفي كل شهادة توجه ضد صديق، وبذلك تخدمني خدمة عظيمة لا أقدر أن أكافئك عليها الآن، ولكني بعد خلاصه أستطيع أن أكافئك بما تريد، هذه خمسون جنيها الآن فاقبلها مني ... - دعي هذه الجنيهات معك يا سيدتي؛ فلا أريد جزاء لا أولا ولا آخرا، وأنا أعدك أني أفعل ما أستطيعه.
فاسترسلت ليلى في البكاء، وقالت: تعني أنك لا تريد أن تصنع معي هذا المعروف، بل تريد أن تعاون يوسف براق على الانتقام مني؟ - إنك سيئة الظن جدا بي وبيوسف، لماذا تظنين أننا نبتغي الانتقام منك؟ - لأني قبلت صديقا خطيبي، وأنا أعلم أنني أذنبت ذنبا عظيما ليوسف لا يغتفر وسأكفر عن ذنبي هذا، وسيرى يوسف أني كفرت، فبربك يا مسيو جورجي اصنع معي هذا المعروف، وأنا أعدك أن صديقا لن يكون زوجي، وإن كان يوسف قد أبغضني واحتقرني. سأنتقم ليوسف من نفسي نقمة لا ينتظرها.
अज्ञात पृष्ठ